«تكتل الأحزاب» يثير الجدل: مغالطات المشروعية وعبثية تمثيل الاستحقاقات الواقعية

يعيش المشهد السياسي في اليمن والجنوب أزمات متلاحقة تزداد معها تعقيدات المرحلة ومستقبل الحلول السياسية، وآخر هذه التطورات جاء عبر اجتماع عقد في الرياض بتاريخ 27 أبريل 2025م، أطلقه ما يُعرف بـ”المجلس الأعلى للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات الوطنية”، وهو كيان تفوح منه محاولات التفريخ السياسي غير الشرعي، ما أثار تساؤلات حقيقية حول جدوى اجتماع كهذا ومدى قدرته على تحقيق تقدم سياسي فعلي في ظل الأوضاع الراهنة.

اجتماع غير شرعي يعيد طرح قضايا قديمة

اجتمع ما يُسمى بالمجلس الأعلى للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات الوطنية لمناقشة مستجدات الأوضاع السياسية في اليمن والجنوب، مستهدفًا حشد دعم دولي لما يصفه بـ”استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي”، ومع ذلك، فإن المشاركين تجاهلوا القوى الرئيسة المؤثرة فعليًا على الأرض مثل المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة المعترف بها دوليًا، مما يعكس تناقضًا وتجاهلًا واضحًا لما أفرزته اتفاقيات الرياض 1+2 القائمة حاليًا. هذا المجلس، الذي يفتقر لقاعدة شعبية وعسكرية، يثير تساؤلًا مهمًا: هل هو مجرّد محاولة لتعطيل مسار الحلول السياسية وتوسيع فجوة الخلاف بين الشمال والجنوب؟

محاولات التفريخ السياسي وتأثيرها على شرعية الحلول

يعتبر الغرض الأساسي من اجتماعات كيانات سياسية غير شرعية كتلك التي تعقدها ما يُعرف بمجلس حضرموت الوطني ضمن المجلس الأعلى للأحزاب، هو إعادة إنتاج التجارب الفاشلة التي دفعت باليمن والجنوب نحو التعقيد السياسي والعسكري الحاليين، فالمحاولة المستمرة لتقويض المجلس الرئاسي والعودة إلى أطر حزبية لا تأثير لها على الأرض تعني إعادة إنتاج المركزية القديمة بطريقة تتجاهل الواقع الجديد؛ الجنوب اليوم يمثله المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي بات كيانًا سياسيًا وعسكريًا قويًا لا يمكن تجاوزه بأي اتفاق أو حوار، وهو الممثل الأساسي للجنوب في أي تسوية سياسية شاملة، ما يجعل هذه التحركات محاولات لتشتيت الجهود والتفاف على تطلعات شعب الجنوب.

التجاهل السياسي للقوى الفاعلة على الأرض

إن النموذج الذي يفرضه ما يُسمى بالمجلس الأعلى للتكتل الوطني يعكس إصرارًا على تجاوز حقائق الواقع العسكري والسياسي، فبينما يدّعي أنه يُرسّخ “الوحدة الوطنية”، فإنه في الحقيقة يعمل على إقصاء قوى الجنوب ممثلة بالمجلس الانتقالي وشعب الجنوب، ويركّز على خلق أدوات سياسية بديلة خارج الأطر الرسمية المعترف بها. لذلك، فإن المخرجات التي أعلنها ذلك الاجتماع تُعَدّ محاولة غير جادة لتقديم مرحلة سياسية جديدة، بل تبدو أقرب لخطوات تعطيلية تصعب معها فرص التفاوض بين الأطراف الفاعلة لاستحقاقات الحلول الشاملة، كما أن مساعي تشكيل لجنة لرسم تصور عن مرحلة ما بعد الحوثي جاءت دون مشاركة الجهات المؤهلة فعليًا على الأرض.

ختامًا، اليمن والجنوب بحاجة إلى إرادة سياسية واقعية تعترف بالمتغيرات الميدانية والكيانات ذات الثقل السياسي والعسكري. أي محاولات لتشكيل أجسام سياسية افتراضية لا تعتمد على شرعية واقعية تزيد من تعقيد المشهد، وتعكس عيوبا هيكلية صارخة في الفهم السياسي للمرحلة الحالية، مما يجعل الحلول الحقيقية رهينة الاعتراف بالندية بين اليمن والجنوب والعمل تحت مظلة الاتفاقيات القائمة كمخرجات الرياض، بدلًا من خلق مسارات عبثية تخلو من شرعية أو قيمة ميدانية حقيقية.