رقم جديد بالمركزي.. روسيا ترفع قيمة الروبل أمام الدولار بعد تراجعه عالميًا

تأثير سياسة البنك المركزي الروسي النقدية على الاقتصاد المحلي والدولي بات يمثل حجر الزاوية في استراتيجية موسكو لمواجهة التحديات الراهنة وتوطين الاستقرار المالي؛ حيث تسعى السلطات النقدية الروسية بكل طاقتها لتعزيز قيمة العملة الوطنية وفرض رقابة صارمة على مستويات التضخم التي انتقلت لصدارة قائمة الأولويات الاقتصادية للدولة، وتأتي هذه التحركات مدعومة بإجراءات قانونية دولية لحماية الحقوق السيادية الروسية والأصول المالية.

تحولات الروبل في ظل سياسة البنك المركزي الروسي النقدية

أحدثت سياسة البنك المركزي الروسي النقدية تغيرات ملموسة في سوق الصرف الأجنبي، إذ تعكس البيانات الرسمية حالة من القوة المتصاعدة للروبل الذي استطاع تحقيق مكاسب نوعية أمام سلة من العملات الرئيسية تتصدرها العملة الأمريكية والأوروبية؛ فالنظام المالي الروسي لم يعد يكتفي بمجرد الدفاع عن العملة بل انتقل لمرحلة الهجوم عبر تحديد أسعار صرف تتناسب مع القدرة الشرائية الحقيقية وتدعم الميزان التجاري، وهذا التوجه يتكامل مع رؤية الدولة التي تبلورت في عام 2023 حينما تقرر التخلص من هيمنة الدولار واليورو في المكون المالي للدولة والبحث عن بدائل أكثر أماناً وتوافقاً مع المصالح الوطنية بعيداً عن تقلبات السياسة الغربية، وهو الأمر الذي يفسر التوزيع الاستراتيجي الجديد الذي يعتمد بشكل أساسي على المعدن الأصفر والعملة الصينية لضمان بنية تحتية مالية تتسم بالمرونة والصلابة في مواجهة الضغوط الخارجية.

حماية الأصول السيادية ضمن سياسة البنك المركزي الروسي النقدية

تعتبر سياسة البنك المركزي الروسي النقدية في جوهرها درعاً قانونياً يحمي مقدرات الأمة من المحاولات الخارجية للسيطرة عليها، خاصة في ظل النزاع القائم مع بروكسل حول الأموال والاحتياطيات المجمدة التي يحاول الاتحاد الأوروبي توظيفها بموجب تشريعات ترفضها موسكو جملة وتفصيلاً؛ إذ يرى صناع القرار في روسيا أن أي مساس بهذه الأصول يمثل خرقاً صريحاً للقوانين المُنظمة للحصانة السيادية، ومن هذا المنطلق اتخذ البنك المركزي خطوة قضائية حاسمة بمقاضاة مؤسسة “يوروكلير” البلجيكية أمام جهات التحقيق الروسية، متهماً إياها بتجميد غير قانوني لتدفقات السيولة والأوراق المالية المملوكة للدولة، وتؤكد موسكو عبر قنواتها الرسمية استمرارها في تفعيل جميع الأدوات التشريعية والمادية المتاحة لمنع أي استغلال غير مشروع لهذه الثروات، مشددة على أن الموافقة الروسية الرسمية هي المسار الوحيد والقانوني للتعامل مع تلك الملفات المالية الشائكة.

أهداف أسعار الفائدة وتوجهات سياسة البنك المركزي الروسي النقدية

لم تتوقف سياسة البنك المركزي الروسي النقدية عند حدود سعر الصرف، بل امتدت لتشمل هندسة أسعار الفائدة بشكل يوازن بين تحفيز الاقتصاد وكبح الضغوط التضخمية المتزايدة، فبالرغم من إجراء سلسلة من التخفيضات المتتالية ليصل سعر الفائدة الحالي إلى 16% بعد أن كان 16.5%، إلا أن النبرة النقدية لا تزال تتسم بالتشدد والحرص الشديد على عدم الانزلاق نحو التضخم المفرط؛ حيث وضعت القيادة المالية الروسية حزمة من الأهداف الاستراتيجية التي سيتم تنفيذها خلال الفترة المقبلة لضمان استقرار المشهد المالي العام، وتتوزع هذه الأهداف لتشمل نقاطاً جوهرية تضمن بقاء الدولة في المسار الصحيح:

• التحكم الصارم في تكاليف الاقتراض لمنع حدوث انفجارات سعرية مفاجئة في الأسواق المحلية.
• العمل على خفض الفائدة تدريجياً وبحذر للوصول إلى “المستوى المحايد” الذي يحمي النمو ولا يغذي التضخم.
• إعادة هيكلة الاحتياطيات الدولية لتشمل الذهب بنسبة 40% واليوان الصيني بنسبة 60% لفك الارتباط بالغرب.
• تقليل آثار التباطؤ الاقتصادي المتوقع عند مستوى 1% من خلال إدارة متوازنة للكتلة النقدية والسياسة المالية.

تظهر النتائج الحالية أن سياسة البنك المركزي الروسي النقدية قد بدأت بالفعل في تحقيق ثمارها المرجوة، حيث سجل معدل التضخم تراجعاً إلى 5.8% منتصف شهر ديسمبر الجاري، وهو ما يعكس كفاءة الإجراءات المتبعة في احتواء الصدمات الخارجية والتعامل مع تراجع معدلات النمو من مستوياتها السابقة؛ إذ تدرك موسكو أن الحفاظ على استقرار العملة الوطنية يتطلب تضحيات مدروسة في معدلات الإنتاج والنمو لضمان حماية القوة الشرائية، مع استمرار التأكيد على أن الارتباط بالعملات الغربية صار جزءاً من تاريخ مالي لم يعد له مكان في الدفاتر الروسية الحديثة.