تحذير من السبعينيات.. لماذا تواصل أسعار الذهب قفزاتها القياسية في الأسواق العالمية؟

أسباب صعود أسعار الذهب وتاريخها ترتبط دائمًا بلحظات الارتباك العالمي الكبرى، فلفهم ما يجري اليوم في الأسواق ولماذا يستمر هذا الطوفان من الأرقام القياسية، لا بد من العودة إلى فترة السبعينيات؛ تلك الحقبة التي شهدت أفضل أيام المعدن الأصفر في عهد جيمي كارتر، حيث لم يكن الصعود مجرد مضاربات عابرة بل كان مرآة لعالم يترنح ويفقد توازنه بالكامل.

أسباب صعود أسعار الذهب وتاريخها خلال حقبة السبعينيات

سجل التاريخ أن الذهب لا يقفز بمفرده بل يتحرك عندما ينهار كل شيء من حوله، وقد تكاتفت أربعة عوامل رئيسية في أواخر السبعينيات لتصنع واحدة من أشرس موجات الارتفاع، حيث انفجر التضخم في الولايات المتحدة وبقية العالم متجاوزًا حدود السيطرة؛ الأمر الذي أدى لتآكل قيمة الدولار وعجز الأجور عن مواكبة الغلاء المعيشي المتسارع، وشعر الناس حينها بأن مدخرات العمر تتبخر أمام أعينهم في ظل غياب أدوات التحوط الفعالة، وهو ما دفعهم للبحث عن ملاذ آمن لا يمكن طباعته أو التلاعب بقيمته من قبل الحكومات، ولم تتوقف الأزمة عند هذا الحد بل ضربت العالم أزمة طاقة خانقة بعد حظر النفط العربي؛ مما أدى لشلل تام في الاقتصاد وتوقف المصانع ونشوء طوابير طويلة أمام محطات الوقود وتعطل سلاسل الإمداد العالمية بصورة غير مسبوقة، وقد اهتزت الثقة في استقرار النظام الاقتصادي الأميركي نتيجة هذا التوقف المفاجئ والانهيار في مستويات الإنتاج.

  • تضخم مفرط وتراجع حاد في القوة الشرائية للدولار الأميركي.
  • أزمة طاقة عالمية أدت إلى شلل قطاعات الصناعة والنقل.
  • اضطرابات جيوسياسية كبرى تمثلت في الثورة الإيرانية وأزمة الرهائن.
  • فشل السياسات النقدية في احتواء الأزمات قبل تدخل بول فولكر.

تأثير الأزمات الجيوسياسية على أسباب صعود أسعار الذهب وتاريخها

تفاقمت الأوضاع بدخول العامل الجيوسياسي الذي زاد المشهد قتامة مع اندلاع الثورة الإيرانية وسقوط أهم حلفاء واشنطن، وتبعتها أزمة احتجاز الرهائن الأميركيين التي أظهرت القيادة الأميركية في موقف ضعف عجزت فيه عن فرض سيطرتها؛ مما أشعل شرارة القلق في الأسواق العالمية، ولعبت السياسة النقدية المرتبكة دورًا محوريًا في هذا المشهد قبل وصول بول فولكر لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي، إذ كانت أسعار الفائدة منخفضة جدًا مقارنة بمعدلات التضخم الحقيقية، وكان البنك المركزي مترددًا في اتخاذ قرارات حازمة لحماية العملة؛ هذا الفراغ النقدي القاتل جعل المستثمرين يفرون نحو المعدن الأصفر كخيار وحيد لا تتحكم فيه الحكومات ولا تربكه التجاذبات السياسية، والجدول التالي يوضح القفزة السعرية المذهلة التي حدثت في تلك الفترة القياسية:

الفترة الزمنية متوسط سعر أونصة الذهب
بداية السبعينيات نحو 100 دولار
عام 1980 (الذروة) أكثر من 800 دولار

الدروس المستفادة من أسباب صعود أسعار الذهب وتاريخها لفهم الواقع

إن القفزة التاريخية التي وصلت بالذهب إلى مستويات غير مسبوقة لم تكن مجرد ربح مادي، بل كانت تعبيرًا صارخًا عن فقدان الثقة في النظام المالي العالمي برمته، وبمجرد أن تولى بول فولكر زمام الأمور ورفع أسعار الفائدة بقوة صادمة لم يسبق لها مثيل، استعادت السياسة النقدية هيبتها وتراجع الخوف من الأسواق؛ حينها فقط بدأ الذهب في التراجع تدريجيًا لأن أسباب القلق قد تلاشت، ومن هنا نستنتج أن الذهب لا يزدهر لكونه أصلًا عصريًا بل لأنه ينمو في مناخ الخوف وعندما تهتز اليقينيات وتفشل الأدوات التقليدية في حماية الثروات، لذلك يظل التاريخ هو المفتاح الوحيد الذي يحل شفرة ما نعيشه اليوم في تحركات المعدن الأصفر.

إن مراقبة أسباب صعود أسعار الذهب وتاريخها تثبت أن المعدن الثمين هو الملاذ الأخير الذي يلجأ إليه العالم حين تضطرب الرؤية، فهو لا يصعد عبثًا بل يترجم حجم الانهيار في الثقة الاقتصادية والسياسية العالمية، والتاريخ يعيد نفسه دائمًا لمن يتقن قراءة التفاصيل.