قفزة تاريخية جديدة.. سعر أوقية الذهب يتجاوز حاجز 4530 دولاراً في الأسواق العالمية

موجة صعود تاريخية للمعادن النفيسة تسيطر على الأسواق العالمية في ظل تقلبات جيوسياسية متسارعة، حيث سجلت أسعار الذهب والفضة مستويات قياسية غير مسبوقة مدفوعة بتراجع الدولار والتوترات الدولية؛ فقد وجد المستثمرون في المعدن الأصفر ملاذًا آمنًا يحمي استثماراتهم، بينما قفزت الفضة بمعدلات استثنائية تعكس حالة التكالب على حيازة الأصول الملموسة في مواجهة الأزمات الاقتصادية والسياسية الراهنة.

أسباب استمرار موجة صعود تاريخية للمعادن النفيسة

تشكل الاضطرابات السياسية والاقتصادية العمود الفقري الذي تستند إليه موجة صعود تاريخية للمعادن النفيسة في الوقت الراهن، إذ أدت الاحتكاكات المتزايدة في فنزويلا إثر تشديد الولايات المتحدة حصارها على ناقلات النفط وتصعيد الضغوط على حكومة نيكولاس مادورو إلى زيادة الطلب على الذهب؛ ولعبت التحركات العسكرية الأمريكية في إفريقيا، وتحديدًا الغارات الجوية التي استهدفت مواقع في نيجيريا بتوجيه من الرئيس دونالد ترمب ضد تنظيم “داعش”، دورًا محوريًا في تعزيز مخاوف الأسواق، وهو ما دفع الذهب للارتفاع بنسبة 1.2% في التعاملات الفورية ليتجاوز مستوى 4530 دولارًا للأوقية، في حين تراجع مؤشر “بلومبرغ” الفوري للدولار بنسبة 0.8% خلال أسبوع واحد فقط، مسجلًا أكبر انخفاض له منذ شهر يونيو الماضي، وهو ما منح المعادن دفعة قوية نظرًا للعلاقة العكسية بين قوة العملة الأمريكية وأسعار السلع المقومة بها عالميًا.

العوامل الاقتصادية المحركة للمكاسب القياسية في الأسواق

لا تقتصر موجة صعود تاريخية للمعادن النفيسة على العوامل السياسية فحسب، بل تمتد لتشمل سياسات نقدية مدروسة وتغيرات في شهية المخاطرة لدى الصناديق العالمية، حيث يمكن تلخيص المحركات الرئيسية فيما يلي:

• ارتفاع مشتريات البنوك المركزية العالمية الساعية لتنويع احتياطياتها بعيدًا عن العملات الورقية التقليدية.
• التدفقات النقدية الضخمة نحو صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) التي شهدت زيادة حيازاتها في أغلب شهور السنة.
• توالي قرارات خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، مما يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة سلع لا تدر عائدًا دوريًا.
• التوقعات والمراهنات من قبل المتعاملين على استمرار سياسة التيسير النقدي ومزيد من خفض الفائدة المتوقع في عام 2026.

وقد أظهرت بيانات مجلس الذهب العالمي أن الحيازات الإجمالية في الصناديق المدعومة بالذهب ارتفعت بشكل مستمر طوال العام باستثناء شهر مايو، بينما سجل صندوق “إس بي دي آر جولد تراست” (SPDR Gold Trust)، التابع لشركة “ستيت ستريت كورب”، زيادة في أصوله بأكثر من الخمس، مما يؤكد أن المؤسسات المالية الكبرى ترى في هذا الارتفاع اتجاهًا طويل الأمد وليس مجرد طفرة عابرة؛ ولذلك فإن انخفاض تكاليف الاقتراض يظل المحفز الأكبر للمستثمرين الذين يبحثون عن الأمان والنمو في آن واحد ضمن سلة المعادن الثمينة التي تحقق حاليًا أفضل أداء سنوي لها منذ عقود مضت.

مقارنة أداء الأسعار ضمن موجة صعود تاريخية للمعادن النفيسة

شهدت الأسواق تبايناً في نسب الارتفاع، حيث تفوقت الفضة بوضوح على الذهب من حيث النسبة المئوية للنمو، ويوضح الجدول التالي مستويات الأسعار والنسب المسجلة خلال هذه الطفرة:

تؤكد هذه الأرقام أن موجة صعود تاريخية للمعادن النفيسة قد أعادت تشكيل خارطة الاستثمار العالمي، حيث صعدت الفضة للجلسة الخامسة على التوالي لتتجاوز 75 دولاراً للأوقية للمرة الأولى في تاريخها؛ ويعزى هذا التفوق إلى تدفقات مضاربية مكثفة واضطرابات مستمرة في سلاسل الإمداد عبر مراكز التداول الرئيسية، لا سيما بعد موجة الضغط التاريخية التي حدثت في شهر أكتوبر الماضي، وبينما تترقب الأسواق نتائج تحقيقات وزارة التجارة الأمريكية حول واردات المعادن الحيوية وتأثيرها على الأمن القومي، يظل الذهب مستقراً عند مستويات مرتفعة فوق 4516 دولاراً، في حين يقترب البلاتين من أعلى مستوياته منذ بدء تجميع بياناته في عام 1987، مما يجعل المشهد المالي العالمي يدور بالكامل حول قيمة هذه الأصول الاستراتيجية.

تستمر حالة الزخم والقلق من فرض رسوم جمركية أو قيود تجارية جديدة في تغذية هذه القفزات السعرية، حيث تظل كميات كبيرة من الفضة مخزنة في نيويورك بانتظار وضوح الرؤية السياسية، ومع وصول الذهب والفضة إلى هذه القمم السعرية، تبرز المعادن الأخرى مثل البلاديوم والبلاتين كلاعبين جدد في ساحة المكاسب التاريخية، مما يجعل مراقبة التطورات الميدانية والقرارات النقدية أمراً حتمياً لكل مهتم بأسواق المال.