كيف تؤثر مفاوضات صندوق النقد على مليارات في جيبك؟

احتياطي الذهب في لبنان وكارثة التفاوض مع صندوق النقد الدولي

لو كان لبنان استفاد من احتياطي الذهب الذي ينام في خزائن مصرفه المركزي، لكان اليوم يتبوأ موقعًا مختلفًا اقتصاديًا واجتماعيًا جذريًا، لكن الواقع يخالف ذلك تمامًا مع استمرارية المفاوضات العبثية مع صندوق النقد الدولي منذ أكثر من ست سنوات دون أي نتائج ملموسة، رغم وجود فرص حقيقية للخروج من الأزمة من الداخل.

أهمية استثمار احتياطي الذهب في لبنان ودوره الاقتصادي

كل ارتفاع في أسعار الذهب عالميًا يعزز من قيمة احتياطيات لبنان الذهبية التي يحوزها مصرف لبنان المركزي، مضيفًا مليارات جديدة إلى رصيد الدولة الدفتري، لكن هذه الأرقام تظل حبيسة الأوراق ولا تترجم إلى تحسينات في حياة المواطنين بشكل مباشر. المشكلة ليست ندرة الموارد، بل غياب الإرادة السياسية التي تظل تعتقد خطأ أن الحل سيأتي من الخارج، وليس من الداخل أو عبر الاستفادة من الموجود. في الأسابيع الأخيرة، جرت لقاءات جديدة في واشنطن بين وزير المالية وحاكم المصرف المركزي اللبناني وفريق صندوق النقد، حيث عادت النقاشات المعتادة حول قروض ومساعدات وجدولة ديون، مقابل مطالب الصندوق المتكررة بإصلاحات تقليدية تتمثل في إعادة هيكلة المصارف، رفع الضرائب، ترشيد الإنفاق، وتحرير سعر الصرف. وهنا، يظهر الصدام بلغتين مختلفتين: الحكومة تريد إظهار القدرة على تنفيذ إصلاحات شكلية كثمن يرضي الصندوق دون المساس بالمصالح الرئيسية، بينما المصارف والمصرف المركزي يرفضان أي اتفاق يدفعهم لتحمل خسائر منفردة.

احتياطي الذهب مقابل المفاوضات المستمرة مع صندوق النقد الدولي

في ظل هذا المشهد، شهدت أسعار الذهب الدولية تقلبات متسارعة، وارتفعت قيمة الاحتياطيات الذهبية اللبنانية دفتريًا بمقدار 4 مليارات دولار خلال أسابيع قليلة، وهي مبالغ محاسبية لا تعبّر عن سيولة نقدية جاهزة للاستخدام، لكنها ثروة حقيقية يمكن إدارتها واستثمارها بذكاء. اللافت أن هذا الرقم يقابل الرقم المتوقع من صندوق النقد في برامج المساعدة المحتملة، مما يطرح تساؤلاً عن مدى جدوى انتظار دعم خارجي بينما ثروة حقيقية موجودة داخل لبنان وغير مستثمرة. لو أُنشئت خطة لاستثمار فائض الذهب ولو جزئيًا في دعم الدورة الإنتاجية أو إعادة تأهيل النظام المصرفي المجمد، لكانت النتائج المترتبة إيجابية على الاقتصاد، لكن أحدًا في السلطة لا يجرؤ على استغلال هذا الأصل، لأن الحديث عن “استخدام الذهب” أصبح أمرًا محرّمًا في العقل السياسي اللبناني كما لو كان موضوعًا مقدسًا لا يُناقش، بينما البلاد تغرق في أزماتها.

الأزمة السياسية والاقتصادية بين تبديد احتياطي الذهب وفشل المفاوضات

في كل جولة مفاوضات مع صندوق النقد، يتحدث لبنان عن خطط إنقاذ نظرية وأرقام مهترئة للاحتياطيات المالية، لكن أحدًا لا يتجرأ على التحدث عن الذهب كأداة ضمان حقيقية لبرنامج إصلاحي مستقل، والسبب ببساطة يعود إلى خوف النخب الحاكمة من فتح باب النقاش بخصوص من له الحق في التصرف بالذهب، وتسييله أو رهنه، ومن سيستفيد من عوائده. هذه النخب تفضل الجمود، فهذا يمنحها مساحة للتحكم وتجميع “أرباحها” السياسية رغم تعمق الأزمة الاقتصادية. صندوق النقد بدوره يظهر تهاونًا متعمدًا في التعامل مع لبنان منذ 2020، إذ هو لا يراهن على وجود قيادة تنفيذية قادرة، ويطيل المفاوضات مراجعًا شروطه الصارمة، مع إرساله رسائل متباينة تشجع على الإصلاح دون تقديم مرونة فعلية، في إطار استراتيجية اقتصادية مرتبطة بمصالح واشنطن وسياساتها الإقليمية. لبنان في هذا السياق يُعد ورقة ضغط يتم التعامل معها بحسب موقعه من النزاعات الإقليمية، وهذا يفسر التردد في اتخاذ خطوات جريئة.

  • إعادة توظيف أرباح الذهب في دعم ودائع المواطنين
  • تمويل مشاريع إنتاجية صغيرة لتعزيز الاقتصاد المحلي
  • إنشاء صندوق سيادي يستثمر الزيادة في سعر الذهب بدل تسجيلها فقط في الدفاتر

تلك الخطوات يمكنها أن تعيد تحريك عجلة الاقتصاد وتعزز ثقة الناس في النظام، لكن الاستمرار في انتظار القروض الخارجة بينما تتكدس احتياطيات الذهب دفاترًا بلا تحرك، يعكس حالة من العبث السياسي. السؤال الحقيقي يبقى: لماذا يتفاوض لبنان على مليارات من الدعم الخارجي بينما تملك ثروة ذهبية كبيرة يمكنها تغيير المعادلة الاقتصادية؟ وهل سيظل احتياطي الذهب مجرد رمزية وطنية صامتة معرضة لخطر التراجع في قيمتها إن هبطت أسعار المعدن الثمين عالميًا مستقبلاً؟

المورد القيمة الدفترية (مليارات دولار)
احتياطي الذهب 4 مليارات (زيادة حديثة)
مساعدات متوقعة من صندوق النقد 3-4 مليارات