الصين تعلن عن احتياطيات ضخمة من الذهب تهدد هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي

الاحتياطات الضخمة من الذهب التي تمتلكها الصين تهدد هيمنة الدولار الأمريكي في الأسواق العالمية؛ إذ يواصل البنك المركزي الصيني شراء الذهب بصفة مستمرة خلال السنوات الثلاث الماضية، في تحرك استراتيجي يهدف إلى تقليل الاعتماد على الدولار، مع ترجيحات بزيادة المشتريات السرية لبكين خلال الفترة المقبلة.

مشتريات الصين الضخمة من الذهب وتأثيرها على هيمنة الدولار

كشف مجلس الذهب العالمي أن بنك الشعب الصيني عزز احتياطاته بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة؛ فقد اشترى 62 طنًا من الذهب في نوفمبر وديسمبر 2022، ما رفع الاحتياطي إلى أكثر من 2000 طن لأول مرة في تاريخ البلاد، وفي عام 2023، سجل أكبر مشتريات بين البنوك المركزية بمقدار 225 طنًا، ليصل إجمالي الاحتياطات إلى 2,235 طنًا، ويستمر بنك الشعب الصيني في إظهار قوة تأثيره على سوق الذهب العالمي. خلال 2024 شهدنا استمرار شراء الذهب بإضافة 44 طنًا، بينما يستمر الاحتياطي حتى يونيو 2025 بالارتفاع ليصل إلى 2,299 طنًا، ما يمثل نحو 5% من إجمالي الاحتياطيات الدولية للصين.

تُظهر هذه المشتريات أن الصين تعمل على تنويع احتياطياتها وتقليل نسبة الدولار في تكديساتها المالية، وتعزز بذلك قدرتها على مواجهة المتغيرات الاقتصادية والسياسية التي قد تؤثر على النقد الأمريكي، ولا يتوقف الأمر على الأرقام الرسمية فقط، بل هناك توقعات تشير إلى أن الصين قد تخفي جزءًا كبيرًا من مشترياتها الحقيقية.

هل تكشف الأرقام الرسمية المعلن عنها الحجم الحقيقي لمشتريات الذهب الصينية؟

يثير محللون اقتصاديون تساؤلات حول دقة الأرقام الرسمية التي تعلنها الصين، حيث يشير يان نيوينهايس، المحلل في “موني ميتالز”، إلى أن الاحتياطي الفعلي للذهب قد يتجاوز 5,065 طنًا بنهاية 2024، مستندًا على تقديرات لمشتريات غير معلنة وردت ضمن البيانات الفصلية لمجلس الذهب العالمي. تعتمد هذه التقديرات على تحليل حركة صادرات الذهب من المملكة المتحدة إلى الصين، والتي تتزامن مع فترات انخفاض أسعار الذهب في بورصة شنغهاي مقارنة بسعر الذهب في لندن، مما يشير إلى أن البنك المركزي هو الفاعل الأساسي في هذه العمليات، وليست هناك دوافع تجارية للقطاع الخاص لاستيراد المعدن النفيس في تلك الفترات.

هذا التلاعب المحتمل في الأرقام يعكس الاستراتيجية الصينية الحذرة في استخدام الذهب كدرجة أمان وتحوط استراتيجي ضد المخاطر الاقتصادية والسياسية، ويعزز الحجة بأن الصين تسعى إلى ممارسة تأثير أكبر على أنظمة الاحتياطيات الدولية بعيدًا عن الرقابة المباشرة.

دوافع الصين في شراء الذهب كأداة استراتيجية لتقليل الاعتماد على الدولار

تتنوع أسباب تعزيز الصين احتياطياتها من الذهب، إذ يرى خبراء مثل بارت ميليك، رئيس استراتيجية السلع في TD Securities، أن الذهب يمثل أداة رئيسية في تنويع احتياطياتها النقدية البالغة 3.3 تريليون دولار، حيث لا يشكل الذهب سوى 6.7% فقط منها، مما يمنح فرصة كبيرة للرفع الاستراتيجي لهذه النسبة. هذا التنويع يهدف إلى الحماية من تآكل القوة الشرائية للاحتياطيات، خاصة في ظل ارتفاع مديونية الولايات المتحدة إلى مستويات قد تهدد الاستدامة.

  • حماية الاحتياطيات من العقوبات الاقتصادية المحتملة
  • تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في المعاملات الدولية
  • التعامل مع تراجع حجم التجارة مع الولايات المتحدة

يشير الخبراء إلى أن الذهب يتميز بخصائص فريدة، فهو لا يواجه “مخاطر الطرف المقابل”، ويعد ملاذًا آمنًا ضد التضخم المتصاعد، حيث يشكل حاليًا حوالي 20% من احتياطيات البنوك المركزية عالميًا، وهو أعلى مستوى منذ اتفاق بريتون وودز عام 1944 الذي ربط الدولار بالذهب رسميًا.

الفترة كمية الذهب (طن) الإجمالي (طن)
نوفمبر وديسمبر 2022 62 2000+
عام 2023 225 2235
يناير – نوفمبر 2024 44 2280
يونيو 2025 2 2299

فيما يخص توقعات أسعار الذهب، ورغم الطلب المتزايد، لم يصل المعدن النفيس إلى مستويات تاريخية قياسية بعد؛ فقد بلغت أعلى مستوياته للعقود الآجلة 3,509.90 دولار للأونصة في أبريل 2024، ويُشير محللو “موني ميتالز” إلى أن تأجيل الفيدرالي الأمريكي خفض أسعار الفائدة خلق فرصة للذهب للتماسك، مع توقعهم لارتفاع جديد في الأسعار إذا تهدَّدت الأسواق المالية أو تبنى الاحتياطي الفيدرالي سياسة نقدية أكثر تيسيرًا. ويرى المحلل الاقتصادي جليسون أن أيام جيروم باول في رئاسة الاحتياطي الفيدرالي قد تقترب من نهايتها، ما قد يؤثر على سياسة الفائدة ويقود إلى صعود جديد في أسعار الذهب.

الاحتياطيات الضخمة من الذهب التي تجمعها الصين تشكل سلاحًا نقديًا استراتيجيًا يحد من هيمنة الدولار الأمريكي، ويعكس تحولًا ملحوظًا في موازين القوى المالية العالمية؛ مع تحرك بنك الشعب الصيني نحو تعزيز دور الذهب كأصل آمن واحتياطي عالمي رئيسي، لا سيما في ظل الأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية المعقدة التي تعيشها الساحة الدولية.