«سحر الكلمات» من أول خطاب حتى آخر وهم أسرار إقناع الجمهور والتأثير المحترف

لغة التحدي في خطاب جماعة الحوثيين من 2015 حتى 2025 تكشف تطورًا دراماتيكيًا يعكس واقع مسار الانقلاب العسكري في اليمن، حيث تحولت الكلمات من رموز الغرور والسيطرة إلى علامات ضعف وخوف متصاعد، مما يعكس بشكل واضح سقوط أوهام القوة التي بنوها منذ بداياتهم.

لغة التحدي في خطاب الحوثيين بين 2015 و2017: وهج السيطرة والغرور العسكري

في المراحل الأولى من الانقلاب (2015–2017)، اتسمت لغة التحدي في خطاب جماعة الحوثيين بتكوين أوهام كاملة عن السيطرة والقدرة العسكرية، حيث كان عبد الملك الحوثي يعلن بفخر أن المناطق التي تحت سيطرتهم أصبحت “سيدة ذاتها”، مستعرضًا صواريخه التي تصل بحسب خطابه إلى “عمق القطب المتجمد الشمالي”. مهدي مشاط، رغم قلة شهرته، كان يعكس ذات النغمة بثقة بالغة، مهددًا من يجرؤ على الاعتداء بأنهم سيدفعون الثمن غالياً، مستندًا إلى حق إلهي مزعوم يدعم موقفهم. في تلك الفترة، كانت لغة التحدي تنبع من يقين زائف بأن القوة العسكرية وحدها حاسمة، حيث كان أجواء الخطابات تتميز بالضحكات الهادئة، وعبارات “الصمود الأسطوري” التي ترسم صورة انتصار وهمي، وفيها مزج متقن بين المكر السياسي والأوهام الدينية التي تخفي أو تعزل الخوف الحقيقي عن المشهد.

تغير لغة التحدي لدى الحوثيين بين 2018 و2020: بداية تراجع السيطرة وتسلل التوتر

مع مرور السنوات الأولى، وخاصة في مرحلة 2018 إلى 2020، بدأت لغة التحدي لدى الحوثيين تشهد تغيرات جوهرية تواكب تصدع واقعهم العسكري والسياسي. لم تعُد الخطابات تملؤها نغمة الانتصارات والفتوحات بل تحولت إلى التأكيد على الصبر والثبات، مع تصاعد الحديث عن “العدوان” والحديث عن “الإنجاز” بدأ يتلاشى شيئا فشيئا. لوحظ في خطاب مهدي مشاط تصاعد الشكوى من محاولات الحصار والخيانات، حيث حلت نبرة الشكوى محل لغة السيطرة والهيمنة السابقة، بينما ازدادت وتيرة تكرار العبارات الدينية التي بدت في ظاهرها مدعاة لرفع الروح المعنوية، لكنها كانت في الحقيقة ستارًا لغموض الواقع المتراجع. كما أن تركيز الخطاب تحول بشكل حاد نحو ضرورة “طاعة القيادة” و”الولاء المطلق لآل البيت”، في محاولة لإعادة ترميم الهياكل الداخلية المتداعية، وتثبيت التفكك بين صفوفهم.

لغة التحدي المتهاوية بين 2021 و2025: الخوف يهيمن والانهزام يسيطر

بين 2021 و2024، مع خسارة مساحات واسعة من الحديدة وتفكك جبهات مأرب، اندلعت احتجاجات داخل مناطق سيطرة الحوثيين على خلفية الجوع والفساد، فسقط الخطاب التحدي إلي لغة دفاعية تخفي الهزيمة، ويبدأ الشك والتوتر يسيطران على النبرة التي تتحول بين التهديد والرجاء، متخلية عن الغطرسة السابقة. صار مضمون خطاب الحوثيين يشير إلى النكوص والقلق المستشري، حيث ظهر صوت مهدي مشاط وكأنه يعتذر ويروج لذرائع دون أن يرسم طريقًا واضحًا، متحدثًا عن محاصرة الجماعة وتآمر الغرب وخيانة الداخل، واعتبر أن “أبناء القبائل خُدعوا”. هذه اللغة تعكس محاولة إقناع القواعد بعدم الانسحاب أو هرب السفينة الغارقة.

وفي ذروة الانحدار في 2025، أصبح خطاب مهدي مشاط وثيقة خوف صريحة، إذ ظهرت ارتجافات صوته، وضحكته المهزومة، ما عبر بصريًا عن انهيار سردية الجماعة التي لم تعد تستخدم الكلمات كسلاح، بل كمرآة لهزيمتها الداخلية. غابت عبارات الكرامة وذابت قوى الشعارات الدينية والسياسية، وتحولت الكلمات إلى تكرار مرغم، لم يعد يصدقه حتى أكثر المتحمسين، وهو ما يوضح أن الانحدار الحوثي لم يكن سياسيًا فقط، بل تغلغل إلى اللغة والجانب النفسي، فحين تهتز الجبهات تهتز اللغة، وحين يشعر القائد بالخوف، يخرج صوت الهزيمة قبل أن تصله الرصاصة.

• تصاعد الغرور العسكري واللغة التحدي بين 2015 و2017
• تفكك الخطاب وتحول لغة الصبر والشكوى بين 2018 و2020
• هيمنة لغة الخوف والانكسار بين 2021 و2025

مهدي مشاط يمثل جوهر التحول من خطاب التحدي إلى خطاب الانكسار بالدرجة التي تمثل انهيار السردية اللغوية والأخلاقية والفكرية لجماعة استمدت قوتها من الوهم، وذات الوهم الذي سرعان ما انهار مع مرور الوقت، لتظهر لغة التحدي الحقيقية حين كان السلاح يتكلم أكثر من الكلمة، تلك اللغة التي تسقط في النهاية أمام صلابة الواقع وحقيقة الانقلاب.