«صراع معقد» همدان والجريمة المركبة كيف تؤثر على المشهد اليمني اليوم؟

الجريمة المركبة لجماعة الحوثي: توثيق شامل للانتهاكات والنهج السلالي داخل اليمن

في ظل الأوضاع الإنسانية والسياسية المعقدة في اليمن، يُعد كتاب “الجريمة المركبة” همدان العليي توثيقًا دقيقًا ومهمًا يسلط الضوء على حقيقة مشروع جماعة الحوثي الذي لا يهدف فقط لمجرد التنافس على السلطة، بل لاستعادة ما يعتبرونه “الحق المقدس” في الحكم، ضمن إطار أيديولوجي قائم على التمييز السلالي والعقائدي.

تحليل مشروع جماعة الحوثي من خلال كتاب الجريمة المركبة

يرصد كتاب “الجريمة المركبة” تحوّل جماعة الحوثي من مجرد فصيل سياسي مسلح إلى كيان يسعى لاستعادة مشروع الإمامة بصيغته الحديثة، كما أوضح الدكتور أحمد عبيد بن دغر في مقدمة الكتاب. ففي حين تم تحديث المصطلحات، بقيت ثوابت الهيكل العقائدي على حالها، حيث احتفظ الحوثيون بمفردات مثل الإمام، والعكفي، والفرز السلالي التي تشكل دعائم المشروع القديم لكنها ظهرت بثوب معاصر. هذا التحليل يوضح أن النزاع في اليمن ليس نزاعًا عاديًا من أجل السلطة، بل هو صراع أيديولوجي عميق يُغشى عليه بهيمنة فكرية تستند إلى الولاءات القبلية والسلالية، ما جعل السيطرة على الحكم مسألة وجودية لدى الحوثيين.

الجريمة المركبة ودور المساعدات الإنسانية كأداة نفوذ سياسية

يطرح الكتاب تفاصيل دقيقة تثبت كيف تم تحويل المساعدات الإنسانية إلى ورقة سياسة تستغل لتقوية الولاءات السلالية، حيث أخبر عبدالملك المخلافي أن التجويع المتعمّد كان أداة رئيسية تستخدمها جماعة الحوثي بهدف فرض سيطرتها، فالجوع ليس مأساة حربية عابرة، بل حرب يومية متكررة تفرضها الميليشيا نفسها. يوضح همدان العليي هذا الواقع من خلال توثيقه أرقامًا ووثائق ووضع وقائع تدعم كيف أُعيد توزيع المناصب والموارد بناءً على الولاء القبلي. ففي صنعاء، لم يعد الغذاء يُقدم كحق إنساني بحت، بل بات يتحكم فيه إطار سياسي متصل بالولاءات، ما جعل المساعدات أداة ضغط تستخدم في توسيع نطاق النفوذ والسيطرة.

إعادة هندسة المجتمع اليمني والتعليم في ظل الجريمة المركبة الحوثية

يصف كتاب الجريمة المركبة جانبًا آخر من المآسي التي نتجت عن السياسات الحوثية، وهي إعادة هندسة المجتمع اليمني بالقوة، والتي تجلت في التفجيرات والتطهير السكاني بعمليات تهجير واستبدال السكان الأصليين بمقاتلين موالين للحوثي يقول نصر طه مصطفى عنها إنها ليست نزاعًا فقط، بل هي فرز طبقي وسلالي ممنهج. وبجانب التطهير العرقي والاجتماعي، لم يسلم النظام التعليمي من التأثير الوحشي، فالمعلّم لم يعد مجرد ناقل للمعرفة بل أصبح “مشرفًا ثقافيًا” يُفرض عليه ترويج أيديولوجيا الحوثي. كما عُيد تأليف المناهج التاريخية لتصب في خدمة المشروع الضيق، حيث وصف فرناندو كارفاخال، خبير الأمم المتحدة، ما يجري بأنه “إبادة ثقافية مكتملة” تُسلب فيها حرية الطفل في التعلم ليصبح سلاح الولاء السياسي هو المعيار الأساسي.

• التوثيق الدقيق للانتهاكات بالأسماء والتواريخ
• تفجير القرى وسرقة المنازل وتفخيخها
• إعادة توزيع الموارد بناءً على الولاءات السلالية
• تحويل المساعدات الإنسانية إلى أوراق نفوذ سياسية
• تغيير المناهج التعليمية واستخدام المدرسة كمنصة أيديولوجية

همدان العليي في كتابه “الجريمة المركبة” لا يكتفي بالتشخيص بل يعمل على الأرشفة الدقيقة لكل هذه التجاوزات، مما يجعل هذا العمل مرجعًا ضروريًا لفهم دلالات الصراع في اليمن وأبعاده الحقيقية التي تتعدى مجرد معارك سياسية أو عسكرية. عبر توثيق أعمق الجرائم، من تهجير وقمع ثقافي وتحويل معاناة المدنيين إلى أداة ضغط سياسية، يقدم الكتاب شهادة حية ضد النسيان، تنبض تفاصيلها في كل صفحة تحمل أسماء الضحايا، وتاريخ الانتهاكات، والمدارس التي أُغلقت، والألغام التي زرعت، والمساعدات الإنسانية التي أُغرقت في متاهات الولاءات القبلية.

هذا التوثيق، رغم قسوته، يحمل في طياته رسالة مهمة: أن السرد الحقيقي لما حدث يجب أن يُحفظ ويُكتب بعناية ليكون درعًا يحمي من تكرار هذا التاريخ المظلم، فالكتابة والتوثيق هما سلاح الحقيقة في وجه محاولات التعتيم والتزوير، وهما الضمانة الوحيدة لمنع استنساخ مثل هذه الجرائم المركبة من جديد.