«أسرار مأرب» انهيار الدولة في صنعاء على يد الحوثيين وتحالف صالح؟

اليمن بين حلم التغيير وجحيم الصراع: كيف تحولت الثورة إلى حرب أهلية معقدة؟

في مطلع عام 2011، شهد اليمن خروج اليمنيين إلى الشوارع يهتفون بالحرية والكرامة، مؤمنين بقدرتهم على إنهاء حكم الرئيس علي عبد الله صالح الذي استمر لأكثر من ثلاثة عقود. على الرغم من هذا الحلم، بعد أربع سنوات فقط، سقطت صنعاء تحت سيطرة الميليشيات، وعاد صالح إلى الواجهة عبر تحالف غير متوقع مع خصومه السابقين، جماعة الحوثي، فكيف تحولت ثورة التغيير في اليمن إلى صراع دموي معقد؟

الخلفية التاريخية للصراع بين صالح والحوثيين وتحوله إلى أزمة مسلحة

منذ توليه رئاسة اليمن الشمالي عام 1978، واجه علي عبد الله صالح تحديات متعددة، كان أبرزها الصراع مع جماعة الحوثي المسلحة التي خاضت معه ست معارك بين 2004 و2010. وصف النظام اليمني الحوثيين بأنهم “متمردون يسعون لإعادة الحكم الإمامي”، في حين رآهم الحوثيون أنهم يدافعون عن حقوقهم السياسية والدينية ضد التهميش. الحرب الخامسة (2008–2009) كانت الأشرس، إذ شاركت قوات الحرس الجمهوري بقيادة أحمد علي صالح، واستخدمت الحكومة الطيران المكثف لقمع حركات الحوثي في صعدة، لكن محاولاتها باءت بالفشل، وسط اتهامات إيران بدعم الجماعة بالسلاح، ما أبرز بعدًا دوليًا للصراع وتصاعد الخطاب الطائفي والسياسي داخل اليمن. بالرغم من انتهاء الحرب السادسة دون حسم عسكري، خرج الحوثيون بمعنويات وقدرات قتالية مرتفعة، بينما استغل صالح الحرب في تعزيز قواته بدعم خليجي، خاصة من السعودية.

ثورة فبراير 2011 وتحول الصراع السياسي إلى دموي بفعل تحالف صالح مع الحوثيين

مع انطلاق ثورة الشباب في فبراير 2011، كان صالح مجبرًا على التنحي بناءً على المبادرة الخليجية التي منحت خصومه السياسيين فرصة للمشاركة في الحكم، وحصّنته قانونيًا من الملاحقة. تولى عبدربه منصور هادي الرئاسة، لكنه واجه تحديًا ضخما لإعادة هيكلة الجيش الممزق، في ظل ولاءات متباينة بين قوات لا تزال موالية لصالح أو لشخصيات نافذة من عهد ما قبل الثورة. في الوقت ذاته، توسع الحوثيون عسكريًا، بدءًا من حصار دماج بصعدة، ثم التوجه إلى محافظة عمران، حيث اصطدموا بعائلة الأحمر، وتمكنوا من القضاء على القائد حميد القشيبي، ما عزز سيطرتهم. وفق تقارير عديدة، استفاد الحوثيون من دعم ضمني لقوات موالية لصالح، الذي سعَى لاستغلال استياء الشارع من أداء حكومة هادي للعودة إلى السلطة داخل تحالف مع “العدو السابق”، فتضاعف الصراع وتحول إلى انقسام دموي.

سقوط صنعاء، التدخل العربي ومعركة الشرعية في ظل الصراع الإقليمي والدولي

في 21 سبتمبر 2014، اجتاح الحوثيون صنعاء، مستغلين ضعف الأجهزة الأمنية وتقسيم الولاءات داخل الجيش، رغم توقيع اتفاق “السلم والشراكة” الذي لم يثنِ جماعة الحوثي عن الزحف جنوبًا حتى عدن، حيث لجأ الرئيس هادي بعد فراره من الإقامة الجبرية. وجهت الحكومة الاتهامات إلى صالح بتسهيل سقوط العاصمة وتمكين الحوثيين للسيطرة، في محاولة للعودة للسلطة عبر تحالف انقلابي. في 26 مارس 2015، أطلقت السعودية، بدعم تحالف عربي ضم الإمارات، البحرين، الكويت، السودان، ومصر (بعد انسحاب قطر)، عملية “عاصفة الحزم” بناءً على طلب هادي، مستندين إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة ومعاهدة الدفاع العربي المشترك. استهدفت العملية استعادة الشرعية وقطع الإمدادات الإيرانية للحوثيين، مع فرض حصار بحري على الموانئ اليمنية الكبرى، ونشر قطع بحرية عند مضيق باب المندب، حيث شنت مصر عمليات خاصة لحماية المضيق وموانئ عدن والمخاء. على الأرض، دارت معارك عنيفة على الحدود السعودية خصوصًا في نجران وجازان، في مواجهة تقدم الحوثيين الذين أعلنوا نيتهم تحرير نجد والحجاز كما ذكر القيادي الحوثي محمد البخيتي.

معارك استعادة الشرعية لم تتوقف، رغم تحرير مدن مثل عدن، لكن صنعاء وما حولها بقيت تحت قبضة الحوثيين. ومع تفاقم التداعيات الإنسانية والاقتصادية، ظهرت محاولات وقف إطلاق النار، أبرزها الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة عام 2022، دون أن تؤدي إلى حل سياسي دائم حتى الآن.

  • تعدد أطراف الصراع الداخلي والإقليمي والدولي
  • تصاعد دور الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش
  • استمرار أزمة إنسانية واقتصادية معقدة
  • استمرار احتمالات الحل السياسي في ظل إرادة وطنية ودولية

اليمن لم يكن مجرد ساحة لصراع داخلي بين حكومة وميليشيات، بل أصبح محورًا لصراع إقليمي بين السعودية وإيران، إضافة إلى تنافس الدول الكبرى مثل الغرب وروسيا والصين، مما جعل الصراع أعمق وأعقد من مجرد أزمة وطنية، مع بروز التحديات الأمنية والإنسانية التي تستدعي جهودًا سياسية مشتركة للخروج من دوامة الدم التي لا تنتهي.