«تأثير قوي» قوة اليورو هل تهدد انتعاش أوروبا الاقتصادي في 2024

اليورو القوي يمثل تحديًا كبيرًا لمنطقة اليورو إذ قد يخنق أي انتعاش اقتصادي هش قبل أن ينطلق حتى مما لا شك فيه أن تجارب السنوات الماضية أكدت أن قوة مفرطة للعملة الموحدة ليست في مصلحة المنطقة، فرغم تحالفات وتطلعات اقتصادية عديدة لم يُخفِ ماريو دراغي، رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق، قلقه من ارتفاع اليورو في أعوام متعددة، فيما تبقى تحذيراته الأخيرة حول فقدان القدرة التنافسية الأوروبية من أهم الإشارات التي يجب الانتباه إليها

اليورو القوي وتراجعه كأصل احتياطي عالمي

تكثر التقديرات المتفائلة حول اليورو قد يخلط البعض بين استخدام العملة والقيمة النسبية لها مقابل العملات الأخرى مع ذلك، لا توجد مؤشرات قوية على أن اليورو يكتسب زخماً كعملة عالمية خارج نطاق منطقة اليورو بل إن الذهب قد استعاد مكانته كثاني أكبر مكوّن في احتياطات البنوك المركزية، وفقًا لتقرير البنك المركزي الأوروبي الأخير وهذا الإنجاز يمثل ضربة لليورو الذي خسر مركزه، وتشير الدراسات إلى أن هذا الاتجاه سيستمر بلا تهديد لموقع الدولار الذي يهيمن عالمياً سواء في ما يخص حجم الاستخدام أو الاحتياطات

على الرغم من صعود اليورو بنسبة 13% مقابل الدولار هذا العام، إلا أن مكاسبه أمام الجنيه الإسترليني محصورة بنسبة 3% فقط، وقد تم تخفيض أسعار الفائدة في البنك المركزي الأوروبي بوتيرة أسرع بمرتين مقارنة بالاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا، لكن ذلك لم ينعكس على قيمة اليورو بشكل واضح، وبالتالي تعزيز الطلب المحلي في منطقة اليورو يحتاج إلى تدخلات مالية كبيرة، مع ضرورة أن يتراجع نمو اقتصادات المنافسين ليبقى اليورو قوياً، وهو أمر يصعب تحقيقه

تعويل أوروبا على صادراتها مع وجود اليورو القوي

منطقة اليورو تبقى أكبر سوق موحدة في العالم، وتعتمد بشكل رئيسي على صادراتها الصناعية كمصدر للنمو الاقتصادي، ويفسر ذلك الخوض في مفاوضات جادة حول الرسوم الجمركية مع الولايات المتحدة الأميركية، حيث تسجل ألمانيا وحدها فائضًا في الحساب الجاري يقدر بـ 250 مليار يورو متجاوزة حتى اليابان في 2023

ذلك أدى إلى تحويل قوة اليورو من ميزة تنافسية إلى عبء على الصادرات الأوروبية، فكلما ارتفعت قيمة العملة، زادت صعوبة الحفاظ على قدرة التصدير في الأسواق العالمية، وبدأت المؤشرات تظهر بوضوح في تصريحات مسؤولي البنك المركزي الأوروبي، حيث اعتبر نائب الرئيس لويس دي غويندوس أن تجاوز اليورو مستوى 1.20 دولار هو أمر معقد لكنه مقبول، ويبرز ذلك أهمية العلاقة مع الدولار الأميركي واليوان الصيني اللذين يسيطران على أكبر حجم تجارة ثنائية مع الاتحاد الأوروبي التي بلغت 740 مليار يورو عام 2023

• أسبوعيًا يصدر البنك المركزي الأوروبي بيانات عن مؤشرات أسعار صرف اليورو مقابل العملات الرئيسية
• الأرقام تعكس التوازن الحساس بين قوة العملة والتحديات الاقتصادية المحلية والعالمية
• تأثيرات السياسة النقدية والدعم المالي تلعب دورًا بارزًا في ثبات أو تقلب قيمة اليورو
• التغيرات المفاجئة في الأسواق قد تدفع لاتخاذ إجراءات سريعة لتجنب مزيد من الارتفاع أو الانخفاض الكارثي

اليورو القوي وترجمة الوعود الاقتصادية إلى واقع ملموس

حذرت كبيرة استراتيجيي العملات أودري تشايلد-فريمان من أن تسارع قوة اليورو بسبب تباطؤ الاقتصاد الأميركي قد يضع البنك المركزي الأوروبي في موقف صعب، فقد يضطر إلى خفض أسعار الفائدة حتى دون المستوى الحيادي الذي يقدر بنحو 2%، رغم أن قوة اليورو تقلل تكاليف الواردات وتعزز الدخل المتاح للاستهلاك، إلا أن تلك الفوائد تأتي مصحوبة بمخاطر مثل تزايد احتمال حدوث انكماش سعري مع بقاء التضخم دون هدف البنك المركزي الأوروبي، ما يزيد الضغوط على اقتصاد المنطقة الذي ينمو بنسبة لا تتجاوز 1%

يمكن ملاحظة أن الاقتصادات القوية والتنافسية فقط هي القادرة على التعامل مع ارتفاع قيمة العملة، كما كان الحال مع المارك الألماني قبل اعتماد اليورو، ولهذا السبب يعتبر تحقيق زيادات كبيرة وسريعة في الإنفاق العام على البنية التحتية والدفاع ضروريًا لاستدامة قوة اليورو، وإطلاق المبادرات لتعزيز القدرة التنافسية المحلية أمر لا يقل أهمية، لأن الأفعال العملية تبقى المؤشر الحقيقي على دعم العملة وليس الأوراق أو التصريحات

توازن اليورو القوي بين إيجابيات انخفاض كلفة الواردات ومخاطر فقدان القدرة على التصدير يعتمد بشكل كبير على القرارات المالية والاستراتيجية داخل منطقة اليورو، وهو ما يتطلب يقظة مستمرة وحكومة اقتصادية مرنة تتكيف مع تحديات الأسواق العالمية ولا تغفل الحاجات المحلية التي تبني الأساس لاستقرار العملة في المستقبل القريب