«صراع القوة» الطموح الإمبراطوري والصعود إلى الهاوية هل يهدد مستقبل الدول الكبرى

الكلمة المفتاحية: الطموح الإمبراطوري

ذات زمان كان الطموح الإمبراطوري حاكم أحلام قادة كبار مثل بينيتو موسوليني وأدولف هتلر ونابليون الذين سعوا لاستنساخ مجد إمبراطوريات قديمة، مثل الإمبراطورية الرومانية أو الفرنسية، فكان التاريخ بالنسبة لهم مادة خام لبناء مستقبل زائف، لكنّ نتائج هذه المغامرات كانت مأساوية، إذ ارتبط الطموح الإمبراطوري بعدم القدرة على استيعاب فشل الماضي، وظهرت عبر الزمن شخصيات جديدة تتبنى ذات الأفكار، فيصبح التاريخ مسرحًا لتكرارات قاتلة تحمل وعودًا بالانتصار، لكنها تنتهي دومًا بالدمار والمآسي.

الطموح الإمبراطوري في التاريخ الحديث وأثره في صراعات القرن العشرين

الطموح الإمبراطوري كان صفة مشتركة بين موسوليني وهتلر؛ الأول كان مشدودًا لفكرة استعادة روما العظيمة، حيث استرجع في مخيلته أصوات الحروب وأمجاد أغسطس، ورأى في الحروب التي شنها هتلر فرصة ذهبية لإعادة إيطاليا إلى مركز القوة العالمية، على أن تتحول البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرتها الخاصة، أما هتلر فقد سعى لاستنساخ إمبراطوريات أوروبية قديمة، خاصة الرومانية المقدسة والألمانية، استند إلى أفكار النظافة العرقية ومفاهيم السوبرمان التي استلهمها من فلاسفة مثل نيتشه، وجعل من نفسه رمز هذه القوة المطلقة، متخليًا عن أية مقومات روحية خارج ذاته.

قبل هؤلاء، كان نابليون يعبر أوروبا باتجاه روسيا وشمال أفريقيا، يحاول أن يحقق طموحه في قيادة إمبراطورية فرنسية تمتد على مساحات شاسعة، مستعيرًا من تاريخ سلفاء أوروبا القديم مجد وهمًا بالخلود، ما جعله في النهاية يخسر كل شيء بعد سجن منفرد في جزيرة القديسة هيلانة، فمنذ ذلك الزمن يتكرر المشهد ذاته عبر التاريخ، حيث الكبرياء المفرط في الطموح الإمبراطوري يقود القادة إلى الهلاك واجتثاث شعوبهم من خارطة الحضارة.

تجديد الطموح الإمبراطوري في العالم الحديث: من إسرائيل إلى إيران

في الوضع المعاصر، لا تزال نفس الأفكار تسيطر على بعض الزعماء الذين يحملون الطموح الإمبراطوري، فمثلاً بنيامين نتنياهو يحاول استدعاء تاريخ إسرائيل القديم، مقدّمًا رؤى توراتية تعيد بناء مفاهيم إسرائيل الكبرى وعظمة “شعب الله المختار” رغم أن الواقع الجيوسياسي يختلف بشكل جذري عن الماضي، وهو بذلك يحاول خلق إطار إيديولوجي يقوي موقفه السياسي ويبرر سياساته في مناطق النزاع.

أما إيران، فرغم مرورها بأحداث معاصرة معقدة، فإن قادتها، وعلى رأسهم علي خامنئي وعلي خميني، يروّجون لنفس الطموح الإمبراطوري لما كانت عليه فارس القديمة، مستندين في ذلك على مزيج من العقائد والطموحات الأيديولوجية، إلى جانب المقولات الدينية والأساطير الغامضة، وبهذا الخلط ينتقل الطموح الإمبراطوري ليأخذ شكلًا جديدًا يحاول السيطرة على المنطقة، رغم التحديات والضغوط الدولية التي تحدّ من ذلك، مما يوضح استمرار الطموح الإمبراطوري كإغراء قاتل لا يستطيع القادة التخلي عنه بسهولة.

مفارقات الطموح الإمبراطوري ودروس التاريخ المستفادة

المغامرون الذين يقودهم الطموح الإمبراطوري غالبًا ما يغفلون حقيقة أساسية؛ وهي أن التاريخ رغم تشابهه في بعض فصوله، لا يعيد نفسه بنفس الظروف، والتكرار الأعمى للماضي لا ينتهي إلا بالمأساة، فقد كتب كارل ماركس بأن التاريخ يعيد نفسه أولًا كملهاة ثم كمأساة، وهذه النتيجة تماما ما جرى مع موسوليني وهتلر ونابليون، وحتى في العصر الحديث مع قادة يسعون لاستنساخ ماضي بعيد، دون استيعاب دروسه أو استلهام تجاربه.

  • لا بد من فهماختلاف الظروف التاريخية الحالية عن القديمة
  • عدم الانخداع بالأوهام القومية التي تغذي الطموحات المبالغ فيها
  • ضرورة استلهام التجارب السابقة لا استنساخها حرفيًا
  • تجنب استخدام التاريخ كأداة لتبرير الصراعات الحديثة

الطموح الإمبراطوري لا يمنحه مجد دائم؛ بل غالبًا ما يكون بداية النهاية، يتعلم التاريخ أن الحكمة تكمن في الاستفادة من الماضي لتوجيه الحاضر، وليس في إعادة تماثيل ماضية إلى الحياة بطرق مدمرة.

القائد الطموح الإمبراطوري النتيجة
بينيتو موسوليني استعادة الإمبراطورية الرومانية وبناء تحالف مع هتلر اغتيال وإعدام بعد سقوط النظام
أدولف هتلر إعادة أمجاد الرايخ الألماني القوي ونظريات العرق انتحار وهزيمة في الحرب العالمية الثانية
نابليون بونابرت قيادة فرنسا نحو إمبراطورية واسعة في أوروبا سقوط ونفي إلى جزيرة القديسة هيلانة
بنيامين نتنياهو إحياء فكرة إسرائيل الكبرى عبر المقولات الدينية تحديات جيوسياسية وصراعات داخلية وخارجية
علي خامنئي محاولة استنساخ الإمبراطورية الفارسية الحديثة صراعات إقليمية وضغوط دولية

الفكرة التي تتكرر دائمًا أن الطموح الإمبراطوري يحول القادة إلى أبطال في نظر البعض، رغم أنهم في الحقيقة مسؤولون عن نزاعات ودمار هائل، فكما يقول المثل اليمني عن النملة التي أنبتت ريشًا، ما يقودها للسقوط، فالنمل الإمبراطوري لا يطير إلا نحو الهاوية، وهكذا يجب أن نتعلم من التاريخ أن السبيل الحكيم يكمن في الموازنة والعقلانية، لا في الأحلام الكبيرة التي تكلف الشعوب حياتها وصراعاتها بلا طائل.