ارتفاع مذهل لليورو بنسبة 11 بالمئة أمام الدولار منذ مطلع 2025

يشهد سوق العملات العالمي تحولات مثيرة للاهتمام هذه الأيام، حيث بات اليورو، العملة الموحدة لدول الاتحاد الأوروبي، يكتسب زخماً كبيراً على حساب الدولار الأمريكي. تصاعد هذا الدور لا يرجع فقط لتحركات العرض والطلب الاعتيادية، بل أيضاً لتغيرات أعمق تتعلق بمخاطر السياسات الأمريكية الغامضة واضطرابات الحرب التجارية العالمية. يبدو أن اليورو أصبح أكثر من مجرد عملة، فقد تحول إلى ملاذ آمن لكثير من المستثمرين الباحثين عن الاستقرار.

كيف أصبح اليورو بديلاً للدولار في سوق خيارات العملات؟

خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، شهدنا تراجعاً ملحوظاً في حجم العقود المرتبطة بالدولار، وبدأت نسبة تتراوح بين 15% إلى 30% من قيمتها تنتقل نحو العقود المرتبطة باليورو. بيانات “ديبوزيتوري ترست آند كليرينج” تلقي الضوء على هذه النقطة، وتظهر كيف أن المستثمرين باتوا يراهنون بثقلهم على العملة الأوروبية بدلاً من الأمريكية. اليورو اليوم بات يقوم بدور الملاذ الآمن، وهو الدور الذي لطالما ارتبط تقليدياً بالدولار الأمريكي، كما أصبح أداة للمراهنة على التحركات المالية الكبيرة.

في سوق العملات الذي يُقدر حجمه بـ7.5 تريليون دولار يومياً، يظل الدولار محتفظاً بسيادة واسعة، لكنه يُواجه تحديات قد تكون بداية لتحول ينبئ لتغير ميزان القوى المالية في العالم. الاستثمارات التحفيزية الأوروبية وإعادة التوازن الاقتصادي للمنطقة تعزز من جاذبية العملة الأوروبية.

لماذا يفضل المستثمرون اليورو على الدولار؟

مع تعاظم المخاطر الاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة، يبدو أن الثقة في الدولار الأمريكي بدأت تتزعزع. بحسب أوليفر برينان من “بي إن بي باريبا”، التحولات الأخيرة تشي بأن التدفقات الأوروبية يمكن أن تصبح أكثر أهمية بالنسبة للأسواق المالية. اليورو بات مرشحاً قوياً ليكون حاضراً بقوة أكبر في المستقبل، سواء في استخدامه كعملة احتياطية عالمية أو في بروز أزواجه كأزواج رئيسية على الساحة المالية، خاصة بعد ارتفاع العملة الأوروبية بنسبة 11% مقابل الدولار هذا العام.

في المقابل، الدولار فقد الكثير من قوته أمام العملات الرئيسية الأخرى، مع انخفاض مؤشره إلى مستويات غير مسبوقة منذ عام 2022. تكلفة الخيارات على أسواق العملات تُظهر أيضاً ميلاً جماعياً لصالح اليورو، حيث يبحث المستثمرون عن أدوات أكثر تنافسية وذات تكلفة أقل للتعبير عن توقعاتهم، مما يعزز الطلب على الخيارات المرتبطة باليورو.

  • تراجع الثقة في الاقتصاد الأمريكي وتذبذب السياسات العامة
  • الإجراءات التحفيزية الأوروبية التي تضخ مليارات في اقتصادات المنطقة
  • التقلبات الضمنية المستقرة نسبياً لليورو مقارنة بالدولار

اليورو والين، ثنائي الحذر في مواجهة الدولار

شهدت أسواق العملات، لأول مرة منذ سنوات، تحولاً في مسار التقلبات بين الأزواج. المستثمرون الآن يعطون اهتماماً أكبر لليورو مقابل الين أكثر من الدولار مقابل الين عندما يتعلق الأمر بالتحوط أو المراهنة على تحركات حادة. هذه الظاهرة الملحوظة تتضح من خلال فروقات خيارات تقلب أسعار الصرف بين أزواج العملات. الغريب في الأمر أن السوق لم يعد يرى الدولار كأفضل ملاذ لمواجهة صدمات السوق، بل أصبح اليورو هو البطل الجديد لهذه الساحة.

جدول يُوضح مقارنة بين التقلبات الضمنية لليورو مقابل الدولار والين خلال السنوات الأربع الماضية:

السنة اليورو-ين الدولار-ين
2019 مرتفع مرتفع
2020 متوسط عالي جداً
2021 منخفض متوسط
2023 مستقر مرتفع

هذا الاستقرار النسبي للعملة الأوروبية يبعث برسالة قوية للأسواق بأن هناك تحولاً واضحاً في الرؤية الاستثمارية العالمية. وبحسب بن فورد من “ماكرو هايف”، فإن التقلبات المنخفضة نسبياً تضيف ميزة تنافسية لليورو وتجعل من السهل التنبؤ بتحركاته على المدى القصير، وهو ما يدفع المستثمرين إلى تفضيله.

الأوضاع الراهنة تحمل في طياتها فرصة كبيرة لصانع السياسة الأوروبية لتعزيز مكانة اليورو العالمية، وفقاً لرؤية كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي. ومع تزايد الشكوك حول قدرة الدولار على الاحتفاظ بموقعه التاريخي، قد يكون اليورو فعلاً في طريقه إلى الهيمنة على مشهد العملات العالمية.