مصر مستعدة بشكل أفضل للتعامل مع الأزمات وفق خبراء الاقتصاد

وسط التوترات المتصاعدة على الساحة العالمية والأزمات التي لا تكاد تنتهي، من الحرب الروسية-الأوكرانية إلى تداعيات جائحة كورونا، وصولاً إلى التصعيد العسكري المرتبط بالحرب الإيرانية-الإسرائيلية، يؤكد خبراء الاقتصاد أن مصر تعيش وضعاً اقتصادياً أفضل يمكّنها من مواجهة الأزمات الحالية بشكل أكثر مرونة مقارنة بالسنوات الماضية، وهو ما يجلب الأمل وسط أجواء عالمية مشحونة.

تحذيرات من تداعيات الحرب الإيرانية-الإسرائيلية

تصاعدت التحذيرات الاقتصادية مؤخراً بسبب انعكاسات الحرب الإيرانية-الإسرائيلية على الأسواق العالمية، ولعل أبرز مظاهر الأزمة هو الارتفاع الحاد في أسعار النفط بنسبة مذهلة وصلت إلى 12% خلال 48 ساعة فقط، وهو ما ينذر بموجة تضخم عالمي جديدة يصعب التنبؤ بأبعادها، فيما يرى الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادي، أن الاقتصاد العالمي، الذي لم يتعافَ بعد من التداعيات المستمرة للحرب الروسية-الأوكرانية وأزمة كورونا، قد يجد نفسه أمام تحديات أعقد وأكثر تعقيداً في الفترة المقبلة.

ومع اتساع رقعة التصعيد، تلجأ الدول الغربية إلى إجراءات عاجلة، مثل سحب رعاياها من المنطقة، وهو ما وصفه بدرة بـ”مؤشر خطير” قد يسهم في زيادة عدم اليقين على المستوى العالمي، ووسط هذا المشهد، تظهر مصر كواحدة من الدول التي أبدت نوعاً من الاستقرار النسبي في مواجهة تلك الأزمة، وذلك بفضل ارتفاع موارد العملة الصعبة الناتجة عن الصادرات وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، إلا أن بدرة شدد على ضرورة ضبط الأسواق ومواجهة موجة ارتفاع الأسعار التي قد تزداد بفعل جشع بعض التجار.

كيف أصبحت مصر أكثر استعداداً للصدمات؟

الخبير الاقتصادي هاني جنينة أوضح أن مصر اليوم تقف في موقع أفضل مقارنة بالسنوات الماضية عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الصدمات الاقتصادية العالمية، فالتجربة التي مرت بها البلاد خلال الأزمات السابقة، مثل تعويم الجنيه وتداعيات كورونا، مكنتها من تعزيز قدرتها على استيعاب أي أزمات جديدة، حيث أوضح أن التقلبات في سعر الصرف، حتى بحدود 2-3%، أصبحت أكثر تنظيماً ولم تعد تشكل تهديداً جوهرياً لاستقرار العملة المحلية، وهو تطور يُضاف إلى سجل التحولات الإيجابية في الاقتصاد المصري.

من جهة أخرى، يبرز جنينة تحديات جديدة تأتي كموجة ثانية للتصعيد العسكري، فقد لا يقتصر الأمر على ارتفاع أسعار النفط وحدها، بل يمتد ليشمل ارتفاع معدلات التضخم العالمي وتأثير ذلك على القطاعات الإنتاجية، بينما قد تشهد حركة النقل البحري الدولي تباطؤاً ملحوظاً، مما سيضيف المزيد من القيود أمام تدفق البضائع والسلع بين الدول.

الرمزية الكبرى لمضيق هرمز

تكمن أهمية مضيق هرمز في كونه المعبر الرئيسي لحوالي ربع إنتاج النفط العالمي، ما يعكس قيمته الاستراتيجية للاقتصاد العالمي، وفي هذا السياق، أشار جنينة إلى أن أي قرار بإغلاق المضيق، سواء بشكل كامل أو جزئي، سيكون بمثابة “انتحار سياسي واقتصادي”، حيث أن ذلك لن يُلحق الضرر بالاقتصادات الخليجية فحسب، بل سيؤدي إلى شلل كامل في سلاسل التوريد العالمية وارتفاع أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية لا تحتملها العديد من الدول، وهو ما يجعل بقاء المضيق مفتوحاً أولوية قصوى لكل الأطراف.

كيف يمكن لمصر استثمار الوضع الحالي؟

في هذا الوقت، تتحرك مصر لتعزيز مكانتها الاقتصادية عبر التركيز على تطوير قطاعاتها الإنتاجية، وتنويع مصادر الدخل القومي، وتثبيت الاستقرار النقدي، ويأتي هذا مترافقاً مع التطورات الإيجابية مثل زيادة الصادرات واستقرار عائدات تحويلات المصريين الخارجية، ومن جانب آخر، يمكن لهذه الأزمات أن تسهم في إعادة تشكيل الخارطة الاقتصادية العالمية، مما يفتح الباب أمام مصر للعب دور أكثر تأثيراً على المستويين الإقليمي والدولي.

من المؤكد أن الأزمات تحمل معها تحديات كبيرة، ولكن دولاً كـمصر قد تنجح في استثمار الفرص التي تولدها تلك الأزمات، فمع سياسات اقتصادية متوازنة وتعاون مشترك بين الدولة والمواطن، يمكن تحقيق نوع من التوازن الذي يسمح ليس فقط بتجاوز التحديات، بل بالمضي قدماً على طريق النمو والاستقرار.