صراع النماذج بين طرابلس وبنغازي

شهدت العاصمة الليبية طرابلس مؤخراً اشتباكات عنيفة أثرت بشكل مباشر على المشهد السياسي والأمني في البلاد، حيث أسفرت هذه الاشتباكات عن مقتل عبد الغني الككلي، رئيس جهاز دعم الاستقرار، وعدد من مرافقيه، الأمر الذي أعاد النقاش حول الصراع القائم بين طرابلس وبنغازي، ليعيد طرح المقارنة بين نموذجين رئيسيين هما: نموذج طرابلس السياسي المدني ونموذج بنغازي العسكري الذي يعتمد على الانضباط والتنظيم.

نموذج طرابلس المدني وأوجه قصوره

تمثّل طرابلس نموذجًا مدنيًا مختلفًا يدعو إلى الديمقراطية وقبول التعددية السياسية، ومع ذلك، أظهر هذا النموذج في السنوات الأخيرة عجزاً واضحاً عن تحقيق الاستقرار وبناء مؤسسات فعالة، حيث استحوذت الميليشيات على جزء كبير من موارد الدولة، ما أدى إلى ضعف تطبيق القانون وتفاقم الفوضى الأمنية، وقد حاولت الحكومات المتعاقبة من الوفاق الوطني إلى حكومة الوحدة الوطنية تقديم حلول تُوحد الشرق والغرب، لكنها فشلت في تحقيق تقدم في قضايا انتخابات الرئاسة وتوحيد المؤسسات الحكومية.

غياب الأمن في العاصمة عزز من حالة الاحتقان المجتمعي، حيث خرجت مظاهرات حاشدة تطالب بإصلاح شامل وإقالة الحكومة الحالية، هذه المطالب تعكس غضب الشارع بسبب تراجع مستوى الخدمات، وانتشار الفساد، واستمرار الصراعات المسلحة بين الفصائل المختلفة.

نموذج بنغازي العسكري ومصادر قوته

في الطرف الآخر، برز نموذج بنغازي بقيادة خليفة حفتر بوصفه البديل الصارم، والذي قدم وعودًا بإنهاء دور الميليشيات وتحقيق الأمن من خلال بناء جيش وطني موحد، وقد حصد هذا النموذج دعماً داخلياً من شرائح عديدة من المجتمع الليبي، فضلاً عن تلقيه دعماً عربياً وإقليمياً، ويتميز هذا النموذج بتقديم صورة أكثر صرامة وانضباطاً مقارنةً بما يحدث في طرابلس، الأمر الذي أكسبه مصداقية لدى بعض الفئات.

ومع ذلك، ينتقد البعض رؤية بنغازي لإدارتها الحياة السياسية، حيث يرون أنها قد تقيد الحريات وتفرض حالة من الصوت الواحد، ما يثير تساؤلات حول مدى توازن هذا النموذج بين الأمن واحترام الديمقراطية.

اشتباكات طرابلس وتأثيرها على ليبيا

أدت الاشتباكات الأخيرة في طرابلس إلى تسليط الضوء مجددًا على الانقسامات داخل العاصمة وبينها وبين الشرق الليبي، ورغم أن المبرر الذي قدمته الحكومة حول القضاء على أجهزة خارجة عن الدولة صحيح من حيث المبدأ، إلا أنه أظهر ازدواجية في التعامل حيث بقيت بعض هذه الأجهزة غير مندمجة في مؤسسات الدولة الرسمية، وهو ما عزز الشعور بضرورة الإصلاح الجذري.

  • تفريغ الصراعات الداخلية من محتواها لتصبح وسيلة لفرض النفوذ
  • غياب خطة واضحة لتحقيق الأمن والاستقرار
  • تعزيز قوة نموذج بنغازي على حساب طرابلس

أهمية توحيد المؤسسات في ليبيا

للخروج من هذا المأزق، تبدو الحاجة ملحة إلى انتخاب حكومة جديدة قادرة على البدء بتوحيد المؤسسات وبناء جسور الثقة بين الشرق والغرب، هذه الحكومة يجب أن تعمل على إنهاء الانقسام السياسي وأن تطلق عملية إصلاح شاملة تقضي على هيمنة الميليشيات وتعزز دولة القانون، وقد يكون الصوت الشعبي المتصاعد في طرابلس عاملًا رئيسياً في تحقيق هذه الأهداف لتصبح ليبيا قادرة على إجراء انتخابات ذات مصداقية تضيف للاستقرار الداخلي.

النموذج السمات الرئيسية
نموذج طرابلس ديمقراطية؛ تعددية سياسية؛ غياب الأمن
نموذج بنغازي انضباط؛ صوت واحد؛ جيش موحد