«تكاليف البرلمان» التحقيق البرلماني يثير تساؤلات حول أعباء الميزانية العامة

تشكل لجان التحقيق البرلماني أحد الأدوات القانونية التي تلجأ إليها الدول للتقصي حول قضايا حساسة أو ملفات تتعلق بإدارة الموارد العامة أو مكافحة الفساد، ومع ذلك قد تكون لهذه اللجان آثار واضحة على الميزانية العامة للدولة نظراً للتكاليف المرتفعة المرتبطة بتشغيلها، يشمل ذلك مستحقات الأعضاء وتكاليف التعاقد مع الخبراء المحليين والدوليين، وصولاً إلى الأعباء التي تتطلبها مساطر التحقيق والبحث، والسؤال الأبرز هنا هو: ما الجدوى الفعلية من تشكيل لجنة التحقيق البرلماني عندما لا تسفر نتائجها عن أثر حقيقي؟

تكاليف تشكيل لجنة التحقيق البرلماني

اعتماد لجان التحقيق البرلمانية يتطلب تمويلات كبيرة من خزينة الدولة، حيث تشمل هذه التكاليف مستحقات الفريق البرلماني الذي يعمل خلال فترة الإجازة، بالإضافة إلى الميزانيات الضرورية لتغطية أعمال اللجان، كما تتضمن نفقات أخرى مثل التعاقد مع مكاتب استشارات قانونية وخبراء دوليين، ومن أبرز المكاتب الأجنبية التي تم التعاقد معها: “GIBRALTAR ADVISORY”، و”TAYLOR WESSING FRANCE”، و”MATINE CONSULTING”، أما مستحقات قضاة محكمة الحسابات، فهي جزء آخر من التكاليف الباهظة، والأمر لا يقتصر على تحقيقات اللجنة فقط، بل يتطلب أيضًا موارد مادية وبشرية خلال المرحلة اللاحقة التي تشمل تحليل التقارير وإحالة القضايا للقضاء.

الجدوى العملية من النتائج

اللجان البرلمانية غالباً ما تهدف إلى التحقيق في ملفات تخص تسيير المال العام أو مكافحة الفساد، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها، فإن العديد من التقارير النهائية للجنة التحقيق البرلماني لم تؤثر في القرارات القضائية أو تثمر عن خطوات عملية، إذ أن نتائج لجنة التحقيق البرلماني المشكلة عام 2020 لم تُثبت جدواها العملية فيما يخص القضايا التي تناولتها، سواء تعلق الأمر بصفقات الإنارة بالطاقة الشمسية أو عقارات الدولة أو عائدات النفط، حتى مع توسعة دائرة التحقيقات لتشمل ملفات مثل صفقات شركة صوملك والبنية التحتية والشركات الأخرى، لم تجد الجهات القضائية أي قيمة استدلالية كبيرة في التقرير النهائي للجنة وهو ما يثير تساؤلات حول المنظومة برمتها والآلية التي تتم بها صياغة مثل هذه التقارير.

علاقة تحقيقات اللجنة بالقضاء

الغريب في الأمر أن القضاء، خلال معالجته للقضايا التي تناولتها لجنة التحقيق البرلماني، لم يستند إلى أي نتائج موثوقة من هذه اللجنة، ففي منطوق القرار الصادر عن الغرفة الجزائية الجنائية بمحكمة استئناف نواكشوط في مايو 2025، لم يتم الإشارة بشكل جدي إلى مخرجات عمل اللجنة، بل إن البرلمان ذاته تجاهل العديد من النقاط التي تدخل ضمن اختصاصاته، خاصة فيما يخص عمل محكمة العدل السامية المنتخبة منذ يوليو 2021، الأمر الذي يعكس ضعف ثقة البرلمان حتى في قراراته وتقاريره الخاصة.

اللجان البرلمانية والتأثير على الموازنة

لا يمكن إنكار الأثر المالي الكبير للجان التحقيق البرلماني على الموازنة العامة، خاصة في ظل الاعتماد الكبير على الفرق الأجنبية والخبراء القانونيين وتغطية المستحقات المالية للمعنيين في اللجنة، مع ذلك، يظل السؤال المهم حول ما إذا كانت هذه التكاليف الهائلة مبررة أمام ضعف النتائج المترتبة، وما إذا كان من الأفضل اللجوء إلى مسارات بديلة أقل تكلفة وأسرع لتحقيق العدالة ومكافحة الفساد، غير أن الحقيقة الواضحة أن تشكيل لجان التحقيق البرلمانية قد أصبح مرادفاً للإجراءات الطويلة والكثير من التعقيدات دون أن يؤثر ذلك بشكل جوهري على تحسين الأداء الحكومي أو الحد من الفساد.