«البنوك المركزية» تتحكم في سعر الذهب.. نصيحة ذهبية للمستثمرين الأفراد

الذهب يعدُّ أحد أبرز الأصول الاستثمارية وأكثرها استقرارًا على مر العصور، فهو رمز الثروة وأداة التحوط الرئيسية ضد التقلبات الاقتصادية والجيوسياسية. مع التغيرات التنظيمية الجديدة والقوانين المصرفية العالمية، أصبح الذهب جزءًا لا غنى عنه في احتياطيات البنوك والمستثمرين على حد سواء، مما يعكس مكانته كأصل سائل عالي الجودة.

الذهب والأصول السائلة: إعادة التصنيف بموجب بازل III

اعتبارًا من يوليو 2025، سيتم تصنيف الذهب كأصل سائل من الفئة الأولى (HQLA) وفق متطلبات لوائح بازل III. هذه الخطوة تُحدث تغييرًا جذريًا في معايير البنوك الأمريكية. فبدلًا من أن يُحتسب الذهب بنسبة 50% فقط من قيمته السوقية كأصل من “الفئة الثالثة”، سيكون الآن مؤهلًا لأن يُحسب بكامل قيمته السوقية ضمن احتياطيات البنوك الأساسية. هذا التغيير يعكس الإدراك التدريجي بأهمية الذهب، ليس فقط كاستثمار مضارب، بل كتحوط استراتيجي وعامل استقرار خلال الأزمات البنكية والمالية.

على الرغم من أن هذا الاعتراف تأخر، فإن تطورات السوق تُظهر أنّ البنوك المركزية كانت أكثر وعيًا بأهمية الذهب، حيث تعمل على زيادة حيازاتها منذ عقود من الزمن. فوفقًا لمجلس الذهب العالمي، قامت البنوك المركزية بشراء 244 طنًا متريًا من الذهب فقط في الربع الأول من هذا العام، وهو جزء من اتجاه طويل الأجل يعكس الإيمان المتزايد بقيمة الذهب كمال عالمي.

أسباب اللجوء إلى الذهب: دروس المستثمرين الأفراد

تتزايد شعبية الذهب بين المستثمرين الأفراد بالتوازي مع إقبال المؤسسات والبنوك المركزية على تعزيز حيازاتها منه. وفقًا لاستطلاعات الرأي، يعتقد ما يقرب من ربع البالغين في الولايات المتحدة أن الذهب هو الاستثمار الأفضل على المدى الطويل، متفوقًا على الأسهم للمرة الأولى منذ سنوات. يعود هذا الاتجاه إلى قناعات متزايدة لدى المستثمرين بقدرة الذهب على مواجهة التضخم، حماية الثروات، وتعويض التقلبات الناجمة عن ضعف العملات الورقية العالمية.

لقد كان للمخاوف بشأن انخفاض قيمة العملة والديون السيادية العالمية دور محوري في هذا التوجه. فالذهب لا يمكن طباعته أو تضخيم قيمته كما يحدث في العملات الورقية. ولهذا، ينظر إليه كثيرون على أنه ملاذ آمن، خصوصًا عندما تكون الأسواق المالية مليئة بالاضطرابات.

صعود “أسهم الذهب” ومستقبل المعدن الأصفر

في حين يشهد الذهب بالفعل طلبًا عاليًا، هناك تناقض مثير حول أسهم شركات تعدين الذهب. فعلى الرغم من ارتفاع المعدن إلى مستويات تاريخية جديدة، إلا أن المستثمرين بالشركات المختصة بالتعدين ما زالوا قلقين بشأن تحديات مثل تضخم التكاليف، نقص العمالة، والمخاطر الجيوسياسية. هذه التحديات أثرت على صناديق الاستثمار المخصصة لهذه الأسهم، مما يظهر انفصالًا بين الأداء الفوري للذهب وبين الأسواق التي تعمل على استخراجه.

ومع ذلك، هناك بوادر تشير إلى أن استمرارية ارتفاع أسعار الذهب على مدار السنوات القادمة قد تعيد جذب المستثمرين نحو أسهم التعدين. المستثمرون الباحثون عن الاستقرار بدأوا يتوجهون بشكل متزايد نحو صناديق الاستثمار المدعومة ماديًا بالذهب أو الشركات التي تعمل على التمويل الملكي، وهو ما يقلل المخاطر التشغيلة بشكل ملحوظ.

أهمية الذهب كأصل استراتيجي

تصنيف الذهب كأصل سائل عالي الجودة بموجب لوائح بازل III ليس مجرد تغيير تنظيمي، بل تأكيد على اعتباره نقدًا حقيقيًا في أوقات الأزمات. ينصح الخبراء بحصة استثمارية تبلغ 10% من محفظة الأصول في الذهب، تتوزع بين 5% في الذهب المادي مثل السبائك والعملات، و5% في أسهم شركات التعدين وصناديق الاستثمار المتداولة.

إذا كانت البنوك المركزية وغيرها من المؤسسات المالية الكبرى تتخذ من الذهب تحوطًا استراتيجيًا، فإن الخطوة التالية للمستثمرين الأفراد تصبح واضحة: الاهتمام بالذهب كجزء أساسي من استراتيجياتهم الاستثمارية، لتعزيز الاستقرار وتنويع المحفظة المالية.