«تهريب الأسلحة» من سيناء.. خطة جديدة تمهد لإعادة رسم حدود غزة

مع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة خلال أكتوبر 2023، ازداد تركيز الإعلام الإسرائيلي على ما يصفه بخطر تهريب السلاح من شبه جزيرة سيناء إلى قطاع غزة. يظهر هذا التوجه الإعلامي المُضلِّل كجزء من استراتيجية إسرائيلية هدفها إعادة صياغة الواقع الأمني والسياسي المحيط بغزة، وخاصة في المناطق الحدودية بمنطقة رفح. في ظل هذا التوجه، تسعى تل أبيب لاستغلال هذه الادعاءات لتبرير إجراءات تخدم أهدافها طويلة الأمد.

استراتيجية إسرائيل واستهداف غزة من خلال رواية تهريب السلاح

توظف إسرائيل سردية تهريب السلاح كذريعة لتحقيق أهداف مركزية، أبرزها إقامة منطقة عازلة على طول الحدود مع مصر تضمن فيها تعزيز السيطرة الأمنية وتقليص أي دعم محتمل لقطاع غزة. هذه المنطقة العازلة تهدف إلى قطع كافة وسائل الإمداد إلى القطاع، سواء من خلال الأنفاق السرية أو باستخدام الطائرات المسيرة، مما يساهم في زيادة عزلة القطاع جغرافيًا واقتصاديًا. بالإضافة إلى ذلك، تحاول إسرائيل الربط بين هذه المزاعم والتهديد الإيراني، لإضفاء بُعد دولي وإقليمي على القضية، ما يعزز موقفها أمام المجتمع الدولي.

كما تضخّم الرواية الإسرائيلية إعلاميًا من خلال بث تقارير متكررة تُظهر ما تزعم أنه معدات عسكرية تُنقل لغزة عبر الحدود، مع عرض صور لطائرات مسيرة يُزعم استخدامها في نقل الذخائر. الهدف هنا لا يتوقف عند الضغط على الجانب المصري لتعزيز الرقابة الأمنية فقط، بل يتعداه لتكريس منطقة رفح الحدودية كموقع أمني معزول، مما يعقّد العلاقات العربية الفلسطينية ويفتح الطريق لتنفيذ رؤية إسرائيلية تعزز الحصار المفروض على غزة منذ سنوات طويلة.

تداعيات الاستراتيجية الإسرائيلية على غزة ومحيطها

قد تترتب على السياسات الإسرائيلية نتائج كارثية تطال غزة ومحيطها. أولاً، سيزيد هذا المخطط من خنق قطاع غزة اقتصاديًا واجتماعيًا، عبر تضييق حركة الأفراد والبضائع وتقييد حركة التبادل التجاري. إلى جانب ذلك، فإن منطقة رفح قد تتحول إلى شريط حدودي عسكري يسوده الوجود الأمني المكثف، مما يقلل من فرص التنمية الحقيقية ويزيد من تهميش المناطق السكانية القريبة. وقد يؤدي هذا النهج إلى توترات سياسية بين غزة ومصر، خصوصًا مع الضغوط الإسرائيلية المستمرة على القاهرة لتشديد إجراءاتها على الحدود.

في الواقع، لا يمكن تناول هذا الملف بعزل عن هدف أوسع يتمثل في إضعاف فكرة الدولة الفلسطينية الموحدة. إسرائيل تسعى إلى تقويض التواصل بين غزة وعمقها الجغرافي المصري والعربي، وإلى فرض تصور جديد يعكس سياسات الفصل الجغرافي بهدف استنزاف القوى الفلسطينية وتثبيت مقومات الانقسام الداخلي.

كيفية مواجهة الادعاءات الإسرائيلية لدعم قطاع غزة

في مواجهة هذه الهجمات الإعلامية والسياسية، يجب العمل على عدة محاور. من أهمها تعزيز الرواية الفلسطينية التي تكشف أهداف إسرائيل الحقيقية خلف هذه الحملات الإعلامية، إذ يتوجب على الإعلام الفلسطيني العمل بشكل مستقل لرصد الأجندات الإسرائيلية المبطنة التي تستغل الوضع الأمني لتحقيق مكاسب سياسية. كما ينبغي التركيز على تنسيق الجهود الدبلوماسية الفلسطينية والمصرية لمواجهة الادعاءات الإسرائيلية دوليًا وإظهار عمق الترابط الحدودي والأمني الحقيقي بين غزة ومصر.

ومن جهة أخرى، على الفلسطينيين التوجه بقوة نحو المؤسسات الدولية لفضح مشروع المنطقة العازلة بموجبه، وإظهاره كأداة لإنشاء واقع أمني عنصري يعمل على تدعيم عزلة الفلسطينيين ومسخ هويتهم القومية. يضاف إلى ذلك أهمية العمل على إعادة تعريف قطاع غزة دوليًا كجزء أصيل من القضية الفلسطينية، وما لهذا من أثر في تعزيز التضامن الشعبي العربي والدولي مع معاناة غزة وشعبها.

لا شك أن التضخيم الإعلامي الإسرائيلي حول قضية تهريب الأسلحة يمثل جزءًا من استراتيجية أوسع تُمهّد لإجراءات قد تغير ملامح الواقع على الأرض. لذلك، يتطلب التصدي لهذا المخطط تكاتف الجهود الإعلامية والسياسية والدبلوماسية لفضح النوايا الإسرائيلية وإظهار حقيقة الأوضاع، حمايةً لحقوق ومقدرات غزة ولضمان بقائها جزءًا لا يتجزأ من القضية الفلسطينية.