أعلى مستوى منذ 8 سنوات.. الجنيه الإسترليني يباغت الدولار بمكاسب تاريخية غير مسبوقة

أداء الجنيه الإسترليني أمام الدولار سجل قفزة استثنائية مع اقتراب نهاية عام 2025؛ حيث استطاعت العملة البريطانية تحقيق أفضل مستوى سنوي لها منذ ثماني سنوات بفضل سلسلة معقدة من التحولات الاقتصادية الكبرى، ورغم رصد بعض التراجعات الطفيفة في تعاملات منتصف الأسبوع عند مستوى 1.3445 دولار؛ إلا أن المكاسب الإجمالية التي بلغت نحو 7.5% تعكس مرونة ملحوظة واجه بها الإسترليني تقلبات العملة الأمريكية وتحديات الأسواق العالمية التي شهدت زخماً كبيراً وتغيرات هيكلية في موازين القوى النقدية بين العواصم الكبرى.

تحليل أداء الجنيه الإسترليني أمام الدولار مقابل العملات الكبرى

شهدت الساحة المالية الدولية تحركات واسعة النطاق خلال الأشهر الماضية؛ إذ إن أداء الجنيه الإسترليني أمام الدولار تفوق بوضوح على المستويات المسجلة في عام 2017، لكن هذه القوة لم تكن مطلقة عند وضعها في ميزان العملات الأخرى؛ فقد واجه الإسترليني تحديات قاسية ومباشرة أمام اليورو، حيث سجل تراجعاً لافتاً تجاوزت نسبته 5% ليصل إلى مستوى 87.24 بنساً مقابل العملة الأوروبية الموحدة، وهذا الرقم يمثل أكبر انخفاض سنوي في هذا الزوج تحديداً منذ عام 2020، وبموازاة ذلك؛ تشير بيانات مؤسسة “بلومبرج” إلى أن العملة البريطانية لم تكن اللاعب الوحيد الذي تحرك بقوة في مواجهة الورقة الخضراء، بل رصد المحللون قفزات تاريخية لعملات أوروبية وسكندنافية قلصت من هيمنة الدولار في سلة العملات العالمية، ويمكن توضيح هذه التباينات الرقمية من خلال الجدول التالي الذي يستعرض نسب الصعود مقابل العملة الأمريكية خلال العام الجاري:

العوامل المؤثرة في أداء الجنيه الإسترليني أمام الدولار والضغوط الحالية

لم يخلُ المسار الصاعد للعملة البريطانية من العوائق الجوهرية خاصة خلال النصف الثاني من عام 2025؛ فقد تعرض أداء الجنيه الإسترليني أمام الدولار لضغوط مكثفة ناتجة عن تنامي المخاوف المالية والسياسية داخل أروقة المملكة المتحدة، والتي تمثلت بشكل رئيسي في القلق المتزايد بشأن عجز المالية العامة وتباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي المحلي، وبينما يراقب المستثمرون بحذر شديد آفاق عام 2026؛ تبرز سياسات بنك إنجلترا كعامل حاسم بعد اتخاذه قرارات جريئة تمثلت في خفض أسعار الفائدة أربع مرات متتالية خلال العام الماضي كان آخرها في شهر ديسمبر، وهناك مجموعة من المحاور الأساسية التي تحكم ملامح هذا المسار النقدي ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:

• حالة الانقسام العميقة والواضحة داخل لجنة السياسة النقدية بشأن السرعة المطلوبة لعمليات التيسير الكمي في الفترة المقبلة؛
• تقديرات كبار المتعاملين في السوق التي ترجح احتمالية إجراء خفض إضافي للفائدة بنحو 40 نقطة أساس قبل انقضاء عام 2026؛
• التباطؤ الملحوظ في قطاع سوق العمل البريطاني مع ارتفاع عوائد السندات الحكومية التي تمنح المصرف المركزي مساحة كافية للمناورة الاقتصادية؛
• الحساسية المفرطة التي تبديها العملة تجاه قراءات التضخم المحلية وتوقعات النمو مقارنة بمسار الاقتصاد العالمي الكلي.

توقعات أداء الجنيه الإسترليني أمام الدولار في ظل تحولات النظام النقدي

تتصاعد في الآونة الأخيرة تساؤلات جوهرية حول مستقبل النظام النقدي العالمي وقدرة العملات التقليدية على الصمود؛ حيث أوضح محمود محيي الدين، مبعوث الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، أن الدولار الأمريكي لا يزال يهيمن على نحو 60% من الاحتياطيات الدولية ويقود معظم عمليات تسوية الديون العابرة للحدود، ومع ذلك؛ يرى محيي الدين أن المقارنات التاريخية التي تربط وضعية الدولار الراهنة بما كان عليه أداء الجنيه الإسترليني أمام الدولار والعملات المنافسة في عصور سابقة تفتح نقاشاً واسعاً حول مدى استدامة هذه الهيمنة المطلقة، خاصة مع ظهور بدائل استثمارية قوية مثل الذهب والعملات المشفرة، كما أن التحدي الحقيقي للعملة الأمريكية ينبع من البيئة الداخلية للولايات المتحدة متمثلاً في مراجعة كفاءة العمق المالي وسيادة القانون والسيولة النقدية، وهي عوامل تتقاطع بشكل مباشر مع قوة الاسترليني وقدرته على امتصاص صدمات السوق العالمية، خاصة في ظل ظهور تكتلات اقتصادية ومشروعات ربط كهربائي عملاقة في المنطقة مثل مشروع الـ 1500 ميجاوات بين السعودية ومصر، مما يضع العملات المحلية أمام اختبارات قوة حقيقية في ظل الالتزامات الخارجية وسداد الديون الدولية.

يوضح أداء الجنيه الإسترليني أمام الدولار في نهاية المطاف حالة من التوازن القلقة والدقيقة بين السياسات النقدية والوضع الاقتصادي، مما يجعل تحركات العام المقبل ركيزة أساسية لتحديد المصير النهائي للعملة البريطانية.