إقبال ملياري قياسي.. لماذا تزايد الطلب على أذون الخزانة بعد خفض الفائدة؟

إقبال المستثمرين على أدوات الدين المحلية في مصر سجل طفرة غير مسبوقة خلال الأيام القليلة الماضية، حيث تهافتت المؤسسات المالية والصناديق الاستثمارية على تغطية أول عطاء لأذون الخزانة يتم طرحه عقب قرار البنك المركزي الأخير بخفض أسعار الفائدة بمستويات تجاوزت أربعة أضعاف القيمة المطلوبة، وهو ما يعكس تغيرًا جذريًا في استراتيجيات المستثمرين الذين يسعون لاقتناص العوائد المرتفعة قبل استمرار وتيرة الانخفاض.

أسباب تزايد الطلب على أدوات الدين المحلية في مصر

شهدت كواليس سوق المال تحركات مكثفة من قبل مديري المحافظ الاستثمارية عقب إعلان البنك المركزي خفض الفائدة للمرة الخامسة خلال العام الجاري يوم الخميس الماضي، إذ أظهرت بيانات رسمية أن العطاء الموجه لآجال 3 أشهر و9 أشهر استقطب عروضًا قياسية بقيمة 220 مليار جنيه مصري، في حين كانت تستهدف وزارة المالية جمع نحو 60 مليار جنيه فقط، وهذا الزخم يعود بالأساس إلى رغبة المستثمرين في توظيف السيولة النقدية الضخمة المتوفرة لدى القطاع المصرفي في أدوات سيادية تتمتع بدرجة أمان مرتفعة وعائد مضمون؛ خاصة مع قناعة الأسواق بأننا بصدد دورة تيسير نقدي طويلة الأمد، وهو ما يدفع الجميع لتثبيت العوائد الحالية التي لا تزال مغرية مقارنة بالتوقعات المستقبلية التي تشير إلى استمرار هبوط معدلات التضخم والوصول إلى مستويات فائدة أقل خلال العام المقبل.

  • تحرك المستثمرين لتأمين عوائد مرتفعة قبل أي تخفيضات إضافية محتملة في أسعار الفائدة.
  • وفرة السيولة النقدية الكبيرة داخل الجهاز المصرفي المصري بعد قرارات المركزي الأخيرة.
  • تفضيل المؤسسات لآجال الاستحقاق القصيرة التي توفر مرونة عالية في إدارة التدفقات النقدية.
  • الثقة المتزايدة في قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية من خلال أدوات الدين السيادية.
  • بدء إعادة تسعير الأصول المالية في السوق بما يتماشى مع سياسات التيسير النقدي الجديدة.

تطور عوائد أدوات الدين المحلية في مصر في ظل خفض الفائدة

انعكس هذا الإقبال الكثيف على متوسط العوائد التي قبلها البنك المركزي نيابة عن وزارة المالية، حيث تراجعت أسعار الفائدة على الأذون المقومة بالجنيه لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ شهر يونيو من العام الماضي 2023، مسجلة نطاقًا يتراوح ما بين 24.99% و25.46%؛ وهذا التراجع يمثل انخفاضًا ملحوظًا عن مستويات الأسبوع السابق التي كانت تدور حول 25.70%، مما يشير إلى أن السوق بدأ بالفعل في استيعاب المتغيرات الجديدة وتعديل سقف طموحاته فيما يخص العائد مقابل الحصول على استثمارات منخفضة المخاطر؛ وقد أوضح الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح أن هذا المشهد يؤكد تحول بوصلة المستثمرين نحو الأدوات قصيرة الأجل لتفادي حالة عدم اليقين العالمي، مع التركيز على اقتناص الفرص المتاحة حاليًا قبل أن تصل أسعار الفائدة إلى مستويات أكثر تدنيًا بالتوازي مع تحسن المؤشرات الاقتصادية الكلية.

بيان العطاء والمؤشرات القيم والنسب المسجلة
إجمالي قيمة العروض المقدمة من المستثمرين 220 مليار جنيه مصري
القيمة المستهدفة من قبل وزارة المالية 60 مليار جنيه مصري
متوسط العائد الجديد على أذون الخزانة 24.99% – 25.46%
قيمة إصدار أذون الخزانة الدولارية (أجل عام) 800 مليون دولار أمريكي
قيمة شريحة الصكوك السيادية المحلية الجديدة 5 مليارات جنيه مصري

مستقبل الاستثمار في أدوات الدين المحلية في مصر والتحولات القادمة

النتائج الإيجابية التي حققها هذا العطاء مهدت الطريق لإصدارات أخرى هامة، حيث يترقب السوق اليوم طرح أذون خزانة مقومة بالدولار الأمريكي لمدة عام بقيمة تصل إلى 800 مليون دولار، بهدف إعادة تمويل استحقاقات سابقة بقيمة 840 مليون دولار تحل غدًا، ما يعزز من استدامة التدفقات النقدية داخل النظام المالي؛ وفي ذات السياق، يبرز اهتمام الحكومة بطرح الشريحة الخامسة من الصكوك السيادية المحلية بقيمة 5 مليارات جنيه ضمن برنامج ضخم يستهدف الوصول إلى 200 مليار جنيه، وهذه التحركات المتزامنة تمنح الدولة قدرة أكبر على إدارة الدين العام بكفاءة وتوفر للمستثمرين البدائل المتنوعة التي تتناسب مع احتياجاتهم في ظل بدء تطبيق السياسة النقدية التوسعية؛ ومن المتوقع أن يستمر الطلب القوي على السندات والأذون الحكومية مدفوعًا بتوقعات انخفاض سعر الصرف واستقرار الأوضاع البنكية، خاصة مع استمرار المركزي في إجراءات تنظيم العمل التي كان آخرها إعلان تعطيل البنوك يوم الخميس المقبل تزامناً مع ترتيبات مالية وإدارية تتعلق بإقفال السنة المالية أو المناسبات الرسمية.

الإقبال الاستثنائي الذي تشهده حاليًا أدوات الدين المحلية في مصر يمثل شهادة ثقة في مسار الإصلاح الاقتصادي المصري، ويعزز من قدرة وزارة المالية على خفض تكلفة الاقتراض الحكومي بشكل تدريجي؛ وهو ما سينعكس بالتبعية على تقليص عجز الموازنة العامة للدولة وتحسين بيئة الاستثمار الكلية في البلاد خلال الفترة المقبلة.