مكاسب قياسية.. ما وراء استمرار قفزات أسعار الذهب والفضة في الأسواق العالمية؟

أسباب ارتفاع أسعار الذهب والفضة اليوم تدفع الكثير من المستثمرين للتساؤل حول مدى استدامة هذا الصعود التاريخي في ظل التقلبات العالمية المتلاحقة؛ حيث استطاعت الأصول النفيسة تجاوز كافة التوقعات الفنية التي كانت تترقب تصحيحاً سعرياً عند مستويات 4370 دولاراً، وبدلاً من الهبوط، اندفعت الأسعار لتخترق حاجز 4500 دولار للأونصة، وهو رقم قياسي يعكس بوضوح تزايد القلق الاقتصادي عالمياً والاعتماد المتنامي على الملاذات الآمنة لحماية المحافظ الاستثمارية من التضخم ومن الانهيارات المفاجئة في قيمة العملات الورقية.

أسباب ارتفاع أسعار الذهب والفضة اليوم والتحول عن التحليل الفني

تتجلى أسباب ارتفاع أسعار الذهب والفضة اليوم في قدرة المعادن الثمينة على تجاوز الإشارات الفنية الهابطة التي ظهرت على الرسوم البيانية؛ فبينما كان المحللون يتوقعون موجات جني أرباح مكثفة بعد الصعود المتسارع، فرضت المعطيات الجيوسياسية والاقتصادية كلمتها العليا على حركة السوق، وأثبت الذهب تاريخياً أنه لا يلتزم بالقواعد التقنية الصرفة عندما تلوح في الأفق ملامح عدم يقين عالمي؛ حيث تراجعت أهمية المؤشرات التقليدية أمام التدافع الكبير نحو الحيازة العينية للمعادن، مما حول كل محاولة تصحيح إلى قاعدة انطلاق جديدة نحو مستويات سعرية لم نعهدها من قبل خلال العقود الماضية.

يمكن تلخيص التحولات الرقمية في أداء المعادن من خلال الجدول التالي:

التوترات الدولية وتأثيرها المباشر على أسباب ارتفاع أسعار الذهب والفضة اليوم

ترتبط أسباب ارتفاع أسعار الذهب والفضة اليوم بشكل وثيق بالاضطرابات السياسية التي ضربت العلاقات بين الولايات المتحدة وفنزويلا مؤخراً؛ إذ أدى احتجاز ناقلات النفط الفنزويلية في المياه الدولية إلى إثارة مخاوف عميقة تتعلق بأمن الطاقة واستقرار سلاسل التوريد، وهذا التوتر دفع رؤوس الأموال للهروب من الأصول الخطرة واللجوء إلى الذهب والفضة كدرع وقائي ضد سيناريوهات التصعيد العسكري أو العقوبات الاقتصادية المشددة، فالأسواق بطبيعتها تتحسس من أي تهديد يخص استقرار الممرات المائية أو السياسة النفطية، مما يجعل التحوط بالمعادن استراتيجية دفاعية لا غنى عنها في أوقات الأزمات الكبرى التي تعصف بالهدوء العالمي.

وتشمل العوامل الأساسية التي دعمت هذا المسار الصاعد ما يلي:

• زيادة وتيرة شراء البنوك المركزية للذهب لتقليل الارتباط بالدولار الأميركي.
• تراجع مؤشر الدولار (DXY) ليعيد تقييم المعادن بأسعار أعلى مقابل العملات الأخرى.
• توقعات خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي التي تزيد جابذبة الأصول غير المدرة للعائد.
• الطلب الصناعي المتزايد على الفضة بالتزامن مع دورها كملاذ آمن.

ضعف العملة الأمريكية كأحد أبرز أسباب ارتفاع أسعار الذهب والفضة اليوم

يعتبر تراجع العملة الخضراء من أقوى أسباب ارتفاع أسعار الذهب والفضة اليوم، فوصول مؤشر الدولار إلى مستويات 97 نقطة قد فتح الباب على مصراعيه لنمو قيمة المعادن المقومة به؛ حيث إن العلاقة العكسية بين قوة الدولار وأسعار المعادن تجعل من ضعف الأول حافزاً فورياً لزيادة الطلب لدى المستثمرين الدوليين غير المتعاملين بالدولار، كما أن السياسة النقدية المرتقبة للاحتياطي الفيدرالي، والتي تميل نحو تخفيف التشديد المالي، تساهم في خفض تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب، مما يعني أننا أمام تضافر عوامل نقدية وجيوسياسية تدفع بالأسعار نحو القمة دون اكتراث بالعوائق المؤقتة التي قد تظهر بين الحين والآخر.

إن استمرار الزخم الحالي في أسعار الفضة، والتي تحركت من 50 دولاراً لتتجاوز 77 دولاراً، يعكس الرغبة في المضاربة على معادن تجمع بين القيمة الاستثمارية والاحتياج الصناعي الفعلي؛ فرغم التحذيرات من تصحيحات فنية قصيرة المدى نتيجة نقص السيولة في نهايات الأعوام، إلا أن التوقعات تشير إلى أن أي تراجع سيكون بمثابة فرصة ذهبية لإعادة التموضع وبناء مراكز شرائية جديدة، لذا تظل النصيحة المهنية هي تنويع المحفظة الاستثمارية وعدم وضع كافة الأصول في سلة واحدة، مع ضرورة مراقبة التغيرات في الفائدة ومؤشرات التضخم التي تشكل المحرك الأساسي لحركة الملاذات الآمنة في المستقبلين القريب والبعيد.