تحذير بلغاري.. مخاوف اقتصادية تلاحق ملف انضمام الدولة إلى منطقة اليورو

تأثير انضمام بلغاريا إلى منطقة اليورو يمثل نقطة تحول تاريخية واقتصادية لدولة البلقان التي من المقرر أن تصبح العضو الحادي والعشرين في النادي النقدي الموحد يوم الخميس المقبل؛ حيث يأتي هذا الانتقال في وقت تشهد فيه البلاد جدلًا واسعًا حول التبعات المحتملة على استقرار المعيشة، وبينما تطمح الحكومات المتعاقبة في صوفيا إلى تعزيز الاندماج مع أوروبا الغربية وحماية الاقتصاد الوطني من النفوذ الروسي المتزايد، تبرز مخاوف شعبية عميقة تقودها حركات احتجاجية وأحزاب يمينية تطالب بالتمسك بالعملة الوطنية “اللييف”، معتبرة أن هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام موجة غلاء لا يمكن السيطرة عليها وتزيد من تعقيد المشهد السياسي المضطرب أصلًا في البلاد.

التحديات السياسية المصاحبة لعملية انضمام بلغاريا إلى منطقة اليورو

تواجه الدولة البلقانية التي يقطنها نحو 6.4 ملايين نسمة، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2007، أزمة سياسية خانقة تزامنت مع قرب موعد انضمام بلغاريا إلى منطقة اليورو؛ إذ أطاحت الاحتجاجات المناهضة للفساد بالحكومة الائتلافية المحافظة التي لم تصمد طويلًا، مما يمهد الطريق لانتخابات برلمانية قد تكون الثامنة من نوعها خلال خمس سنوات فقط، وهذا المناخ غير المستقر جعل بوريانا ديميتروفا من معهد “ألفا” لاستطلاعات الرأي تحذر من استغلال التيارات المناهضة للاتحاد الأوروبي لأي عقبات تقنية أو اقتصادية، خاصة وأن أحدث بيانات “يوروباروميتر” تشير إلى أن 49% من المواطنين يعارضون التخلي عن عملتهم الوطنية، وتزداد حدة هذا الرفض في المناطق القروية التي تعاني من معدلات فقر مرتفعة وتخشى فقدان قدرتها الشرائية المحدودة.

كما تعكس حالة القلق الشعبي مخاوف من تكرار تجارب دول سابقة، حيث تعتقد بيليانا نيكولوفا التي تدير متجرًا صغيرا في قرية “تشوبريني” أن ارتفاع الأسعار حتمي بناءً على شهادات أصدقائها المقيمين في أوروبا، ولكن التاريخ النقدي لبلغاريا يشير إلى أنها مرتبطة فعليًا باليورو منذ سنوات طويلة بعد تجربة التضخم المفرط في التسعينيات؛ حيث تم ربط الليف أولًا بالمارك الألماني ثم بالعملة الموحدة، مما جعل السياسة النقدية تابعة للبنك المركزي الأوروبي دون أن يكون لصوفيا حق التصويت، وهو ما سيتغير جذريًا عقب انضمام بلغاريا إلى منطقة اليورو ليصبح للدولة صوت مسموع في صناعة القرارات المالية داخل الاتحاد.

المؤشر الاقتصادي القيمة أو النسبة الحالية
نسبة معارضة الانضمام لليورو 49% من السكان
تضخم أسعار المواد الغذائية (نوفمبر) 5% سنويًا
زيادة أسعار العقارات (الربع الثاني) 15.5% سنويًا
مساهمة السياحة في الناتج المحلي 8% تقريبًا
توفير رسوم الصرف المتوقع 500 مليون يورو

المكاسب الاقتصادية المنتظرة من انضمام بلغاريا إلى منطقة اليورو

تؤكد كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، أن الفوائد التي ستجنيها البلاد من انضمام بلغاريا إلى منطقة اليورو ستكون ضخمة وملموسة على المدى الطويل؛ حيث لفتت خلال زيارتها لصوفيا إلى أن تيسير التجارة وخفض تكاليف التمويل سيسهمان بشكل مباشر في استقرار الأسعار ونمو قطاع الأعمال، كما تشير التقديرات إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة ستوفر مبالغ طائلة كانت تذهب كرسوم لصرف العملات الأجنبية، بالإضافة إلى الانتعاش المتوقع في قطاع السياحة المطل على البحر الأسود، ولطمأنة المشككين أوضحت لاغارد أن التأثير التضخمي لتبني اليورو في الدول السابقة كان طفيفًا للغاية وقصير الأجل، ولم يتجاوز في أسوأ الحالات 0.4 نقطة مئوية، وهي زيادة لا تقارن بالمكاسب الهيكلية في الشفافية والرقابة المالية.

ولتحقيق هذه الاستفادة القصوى، أدرجت السلطات البلغارية مجموعة من الآليات الرقابية الصارمة التي تهدف إلى حماية المستهلك، ومن أبرزها ما يلي:

  • تعزيز صلاحيات هيئات الرقابة للتحقيق في أي زيادات مفاجئة أو غير مبررة للأسعار.
  • فرض رقابة مشددة على تجار التجزئة لضمان عدم استغلال فترة التحول الانتقالي.
  • تحسين مستوى الشفافية الذي يتيح للمواطنين مقارنة أسعار السلع مع دول الجوار الأوروبي.
  • العمل على خفض تكاليف التمويل الخارجي وزيادة جاذبية الاستثمارات الأجنبية.

استشراف مستقبل الاقتصاد بعد انضمام بلغاريا إلى منطقة اليورو

يرى الخبير الاقتصادي جورجي أنجيلوف أن التحدي الحقيقي لا يكمن في العملة نفسها، بل في مدى قدرة النخبة السياسية على توفير حكومة مستقرة لمدة عامين على الأقل لضمان قطف ثمار هذا التحول، فرغم انضمام بلغاريا إلى منطقة اليورو في ظل أرقام مقلقة تظهر ارتفاع أسعار المواد الغذائية والعقارات بمعدلات تفوق متوسط الاتحاد الأوروبي، إلا أن هذه الضغوط بدأت قبل الاعتماد الرسمي للعملة، مما يرجح أنها مرتبطة بعوامل تضخمية عالمية وليست نقدية فحسب، ومن المنتظر أن تساهم هذه الخطوة في تحصين النظام المالي البلغاري بشكل كامل ضد التقلبات العنيفة، وتضع أفقر دولة في التكتل على مسار التنمية الاقتصادية المستدامة التي تطمح إليها الأجيال الجديدة بعيدًا عن التوترات الجيوسياسية الإقليمية المحيطة بها.

يستدعي المسار التاريخي تذكر أن كرواتيا كانت آخر المنضمين في عام 2023، بينما بدأت الرحلة الطويلة لليورو في عام 2002 باثنتي عشرة دولة، مما يجعل تجربة انضمام بلغاريا إلى منطقة اليورو امتدادًا طبيعيًا لمشروع الوحدة الذي يستهدف تقليص الفجوات التنموية بين شرق القارة وغربها؛ ومع تكثيف البرلمان البلغاري لجهود الرقابة خلال الصيف ضد أية تلاعبات سعرية، يبدو أن الدولة تراهن على أن الوضوح في المعاملات المالية سيعزز الثقة لدى المستثمرين والسياح على حد سواء، ليظل الرهان الأكبر هو نجاح الإدارة السياسية في تجاوز الانقسامات الحزبية الحادة وتوفير بيئة تشريعية قادرة على استيعاب هذا التحول التاريخي بما يخدم مصلحة المواطن البسيط في القرى والمدن على حد سواء.