تقرير صندوق النقد.. أسباب قفزة تكلفة خدمة الدين في مصر مؤخرًا

أسباب ارتفاع عبء خدمة الدين العام في مصر تعد من أكثر القضايا الاقتصادية تعقيدًا في الوقت الراهن، حيث كشف الدكتور محمد معيط، المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي، عن تفاصيل دقيقة تتعلق باضطرار الدول للجوء إلى المؤسسات الدولية حينما تضيق أمامها السبل التمويلية البديلة؛ موضحًا أن الزيادات الكبيرة في فاتورة الديون تطلبت تدابير حازمة ضمن مسارات الإصلاح وتجاوز تقلبات أسعار الصرف.

تحليل أسباب ارتفاع عبء خدمة الدين العام في مصر وتأثير سعر الصرف

يرى الدكتور محمد معيط أن المشهد الاقتصادي الحالي يتأثر بشدة بالتحولات التي طرأت على قيمة العملة المحلية أمام الدولار، إذ إن كل تحرك طفيف في سعر الصرف يلقي بظلاله الثقيلة على الموازنة العامة للدولة؛ فقد كان سعر صرف الدولار يتأرجح حول مستوى 15 جنيهًا خلال عام 2021، لكن وصوله إلى مستويات 47.5 جنيه حاليًا أحدث فجوة تمويلية ضخمة تتجاوز 32 جنيهًا لكل دولار، ومما يزيد من تعقيد الموقف أن كل زيادة بمقدار جنيه واحد في سعر الصرف تترجم مباشرة إلى عبء إضافي يقدر بنحو 80 مليار جنيه تتحملها الخزانة العامة، وهذا الارتباط الوثيق بين قيمة العملة والالتزامات الخارجية يفسر بوضوح تضخم حجم المديونية الكلية وتضاعف كلفة الاقتراض بمعدلات غير مسبوقة خلال الأعوام القليلة الماضية.

البند المالي القيمة في 2016 (بداية الإصلاح) القيمة في الوقت الحالي (تقديري)
فوائد الديون السنوية 480 مليار جنيه 2 تريليون جنيه
سعر صرف الدولار (متوسط) 15 جنيهًا (عام 2021) 47.5 جنيه
إجمالي الإنفاق العام 4.7 تريليون جنيه

الضغوط المالية الناتجة عن أسباب ارتفاع عبء خدمة الدين العام في مصر

بالنظر إلى هيكل الموازنة المصرية، نجد أن التحدي الأكبر الذي يواجه صانع القرار المالي يكمن في توزيع الإيرادات المحدودة على قطاعات واسعة، حيث قفزت فوائد الديون من 480 مليار جنيه مع انطلاق شرارة الإصلاح الاقتصادي في 2016 لتبلغ الآن نحو 2 تريليون جنيه؛ وهو ما يعني أن هذه الفوائد تضاعفت ثلاث مرات تقريبًا في غضون سنوات قليلة، وبالتوازي مع ذلك سجل حجم الإنفاق العام أرقامًا ضخمة وصلت إلى 4.7 تريليون جنيه مقابل إيرادات تقدر بـ 3.1 تريليون جنيه فقط، مما تسبب في حدوث عجز مالي قارب حاجز 1.5 تريليون جنيه؛ وهذه الأرقام تعكس حجم الضغط الهائل الذي يمارسه الدين على الموارد المتاحة لتحسين حياة المواطنين وتطوير البنية التحتية الأساسية في مختلف المحافظات.

خطط المواجهة لتقليل أسباب ارتفاع عبء خدمة الدين العام في مصر

توجد مجموعة من المسارات العملية التي تعول عليها الدولة لخفض مديونيتها، تبدأ من ضرورة تسريع معدلات التمويل وتعظيم الإيرادات العامة للدولة لإيجاد فوائض مالية تمكنها من تقليص نسبة خدمة الدين التي تستنزف الموارد؛ إذ إن تراجع معدلات التضخم يمثل ركيزة أساسية لتباطؤ وتيرة غلاء الأسعار في الأسواق المحلية، كما أن تخفيف هذا العبء سيسمح للحكومة باستعادة قدرتها على توجيه استثمارات أكبر نحو قطاعات الصحة والتعليم وتحقيق استقرار اقتصادي مستدام، ومن الضروري فهم أن نجاح هذه الخطوات يتوقف على القدرة في السيطرة على العوامل الخارجية والداخلية المؤثرة في استقرار العملة الوطنية خلال المرحلة المقبلة.

  • تسريع وتيرة جذب الاستثمارات لزيادة الحصيلة التمويلية وتقليل الاعتماد على الاقتراض.
  • العمل على خفض معدلات التضخم لضمان استقرار الأسعار وتخفيض تكلفة الإنتاج والخدمات.
  • إعادة تدوير الفوائض المالية الناتجة عن خفض الدين لتطوير المشروعات التنموية الكبرى.
  • توسيع القاعدة الضريبية والإنتاجية لزيادة الإيرادات العامة بعيدًا عن الضغوط التمويلية التقليدية.

كانت الموازنة العامة قبل عام 2011 تتركز بشكل أساسي على بنود الأجور والدعم وخدمة الدين التي كانت تلتهم وحدها نحو 49% من إجمالي الإنفاق، واليوم نجد أن ترتيب الأولويات تغير رغم استمرار ضغوط الدين؛ حيث تمثل الأجور حاليًا 16% والدعم 17% بينما بقيت خدمة الدين تستحوذ على 49% من الموازنة، وهذا العبء الثقيل يضع وزير المالية أمام تحديات مستمرة للحفاظ على جودة الخدمات العامة وضمان صمود الاقتصاد المصري أمام تقلبات المشهد العالمي المتسارع.