تحول مالي عالمي.. محمود محيي الدين يوضح حقيقة انتهاء سيطرة الدولار قريباً

مستقبل هيمنة الدولار الأمريكي أمام العملات البديلة بات الشغل الشاغل للمحللين في ظل الاضطرابات الجيوسياسية الراهنة التي تعيد تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي بصورة جذرية؛ ومع تصاعد وتيرة التحولات، طرح الدكتور محمود محيي الدين، مبعوث الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، رؤية استشرافية تؤكد أن العملة الخضراء لا تزال تقبض على زمام الأمور بنسبة 60% من احتياطيات النوك المركزية، مشددًا على أن الدولار يظل المرجعية الأولى لتسوية الديون الدولية العابرة للحدود بالرغم من صعود المنافسين الجدد.

مقومات ومزايا تدعم مستقبل هيمنة الدولار الأمريكي تاريخيًا

إن استشراف مستقبل هيمنة الدولار الأمريكي يتطلب الغوص في الأعماق الهيكلية التي جعلت من العملة الأمريكية ركيزة لا يمكن استبدالها بين عشية وضحاها، فحسب ما أدلى به محمود محيي الدين لشبكة بلومبرج، فإن بقاء الدولار في الصدارة يرجع إلى نسيج معقد من القوانين والسياسات الاقتصادية الصلبة التي تشبه إلى حد كبير الظروف التي منحت الجنيه الإسترليني سيادته تاريخيًا؛ حيث يرتكز هذا التفوق على ضخامة السوق المالي الأمريكي والالتزام الصارم بمبادئ دولة القانون والشفافية المؤسسية، وهي عوامل توفر سيولة نقدية هائلة تميز واشنطن عن بقية العواصم المالية الأخرى، وبالرغم من هذه المزايا، فإن هذه الركائز تواجه حاليًا عمليات مراجعة داخلية قد تعيد صياغة المشهد النقدي أمام المنافسين الساعين لاستغلال أي ثغرة في المدى الطويل، ولعل أبرز مقومات هذه القوة تشمل:

• العمق المالي الاستثنائي الذي يمنح الاقتصاد قدرة فائقة على امتصاص الصدمات العالمية العنيفة واستعادة التوازن.
• رسوخ دولة القانون والمؤسسات التشريعية التي توفر بيئة آمنة وحماية قانونية متكاملة لجميع المستثمرين الأجانب.
• توافر السيولة العالية بمستويات قياسية تضمن تحويل الأصول الضخمة إلى نقد في أي وقت دون خسائر تذكر.
• التفوق التكنولوجي والابتكار الاقتصادي الذي يعزز من كفاءة العملة في إدارة المعاملات الرقمية والمالية الحديثة.

تحديات التراجع والأداء السنوي ضمن مستقبل هيمنة الدولار الأمريكي

تعرض مستقبل هيمنة الدولار الأمريكي لاختبار حقيقي في الآونة الأخيرة بعدما سجلت العملة أسوأ أداء سنوي لها منذ عقدين وتحديدًا منذ عام 2003، وهذا التراجع لم يكن وليد الصدفة بل جاء نتاج تداخل معقد بين السياسات النقدية والتوترات التجارية التي أفقدت مؤشر الدولار جزءًا من بريقه أمام العملات الرئيسية الأخرى؛ حيث تشير التقارير الاقتصادية الموثقة إلى انخفاض قيمة العملة بنحو 11% مدفوعة ببيانات التضخم وتوقعات خفض الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، فضلاً عن السياسات الحمائية والعقوبات الاقتصادية التي دفعت عواصم عالمية إلى إعادة التفكير في جدوى الاعتماد الكلي على العملة الواحدة، مما شجع المستثمرين على الهروب نحو أوعية استثمارية أكثر استقرارًا وتحررًا من التقلبات السياسية المباشرة للإدارة الأمريكية، ويوضح الجدول التالي التغيرات الملموسة في أداء العملة:

الذهب والعملات الرقمية وتأثيرها على مستقبل هيمنة الدولار الأمريكي

يواجه مستقبل هيمنة الدولار الأمريكي ضغوطًا متزايدة مع بروز الذهب كملاذ آمن مفضل للبنوك المركزية، بالإضافة إلى دخول العملات المشفرة والجنيه الإسترليني في معادلة المنافسة بالرغم من تذبذب الأسعار الحاد في الأسواق الرقمية؛ وقد لفت الدكتور محيي الدين الانتباه إلى أن الإدارة الأمريكية، لاسيما في عهد ترامب، تدرك تمامًا أهمية استقرار العملة الوطنية، لكن الواقع الاقتصادي يفرض على المؤسسات الدولية البحث عن بدائل نقدية لتقليل مخاطر التبعية الأحادية، خاصة مع توقعات استمرار النزاعات الجيوسياسية والقيود الاقتصادية حتى عام 2026، مما يفرض حالة من الحذر الشديد تجاه تقلبات السوق وتأثيراتها على استدامة النمو المالي العالمي وتوازن القوى النقدية بين الشرق والغرب.

إن حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق تجعل مستقبل هيمنة الدولار الأمريكي في صراع دائم مع الواقع الجديد الذي تفرضه التعددية القطبية، وبينما تسعى القوى التقليدية للحفاظ على المكتسبات، ترسم العملات البديلة مسارًا موازيًا يقلل من مركزية القرار المالي العالمي؛ وهذا التحول البنيوي يعكس بداية حقبة تتسم بتوزع السيولة والمخاطر بين سلال نقدية متنوعة تحاكي طموحات الأنظمة الاقتصادية الصاعدة.