اتفاق المعادن الأميركي السعودي يعيد رسم نفوذ سوق المعادن

اتفاق المعادن الأميركي السعودي يعيد رسم خريطة النفوذ في سوق المعادن الحرجة، حيث أعادت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن فتح ملف “المعادن الحرجة” لتكون محورًا رئيسيًا في المشهد الدولي، مما يمهد لفصل جديد من التعاون بين السعودية والولايات المتحدة في واحدة من أنجح الصناعات الاستراتيجية عالميًا.

زيارة ولي العهد محمد بن سلمان إلى أميركا تدفع اتفاق المعادن الأميركي السعودي إلى آفاق جديدة

زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة بعد غياب طويل حملت رسائل واضحة عن شراكة استراتيجية لم تعد تقتصر على النفط فقط، بل امتدت لتشمل اليورانيوم والمعادن النادرة والذكاء الاصطناعي وقطاعات الدفاع الحيوية. مع توقيع اتفاق المعادن الأميركي السعودي، بدا أن واشنطن والرياض تعيدان تشكيل سلاسل الإمداد العالمية بعيدًا عن هيمنة الصين التي تسيطر على سوق المعادن الحرجة.

الإطار الاستراتيجي واتفاق المعادن الأميركي السعودي: تعزيز شراكة مستدامة لتقليل الاعتماد على الصين

تحت مظلة “الإطار الاستراتيجي للتعاون في المعادن”، اتفق البلدان على رفع حجم الاستثمارات المشتركة في قطاعات حيوية مثل اليورانيوم والعناصر النادرة والمغناطيسات الدائمة. كشف الإعلان الأميركي عن تمويل وزارة الدفاع الأميركية حصة تبلغ 49% في مصفاة لعناصر الأرض النادرة داخل المملكة، بالشراكة مع شركة “معادن” السعودية وعملاق التعدين الأميركي MP Materials. هذه الخطوة تعكس توجهًا أميركيًا جليًا لكسر احتكار الصين، التي تسيطر على نحو 70% من معالجة العناصر النادرة عالميًا. وتأتي هذه المصفاة لتكون أول منشأة كبيرة خارج الصين قادرة على إنتاج المعادن النادرة الخفيفة والثقيلة بمواصفات تجارية تنافسية.

المعادن الحرجة في السعودية: ثروة حضارية تجذب التسابق الدولي وتعزز اتفاق المعادن الأميركي السعودي

تعتمد الولايات المتحدة على السعودية لما تمتلكه من احتياطيات ضخمة ومتنوعة من المعادن الحرجة، وهي من بين الأكبر عالميًا. تشمل هذه الاحتياطيات 552 ألف طن من المعادن الثقيلة مثل الديسبروسيوم والتيربيوم، و355 ألف طن من المعادن الخفيفة كالنيوديميوم والبراسيوديميوم، متواجدة في عدة مواقع تعدينية مثل جبل صايد، جبل تولة، غرية، وأم البرك. هذه المعادن ليست فقط مصدرًا اقتصاديًا، بل تمثل ركيزة أساسية في الصناعات الدفاعية والتكنولوجية، وتشمل استخدامها مقاتلات F-35، الغواصات النووية، صواريخ توماهوك، الرادارات، أشباه الموصلات، وتوربينات الرياح ومحركات السيارات الكهربائية. مع تزايد القيود الصينية على التصدير، أصبح الاعتماد الأميركي على الصين نقطة ضعف استراتيجية.

النوع الكمية (بالأطنان)
العناصر النادرة الثقيلة 552,000
العناصر النادرة الخفيفة 355,000
احتياطي اليورانيوم 31,000
  • تمويل أميركي بنسبة 49% في المصفاة الجديدة
  • حصة “معادن” السعودية لا تقل عن 51%
  • استخدام الخامات المحلية والمستوردة من حلفاء استراتيجيين
  • توجيه الإنتاج نحو الصناعات الدفاعية والطاقة المتجددة

تشهد السعودية طفرة غير مسبوقة في قطاع التعدين ضمن رؤية 2030، حيث زادت رخص الاستكشاف من 224 في 2015 إلى أكثر من 800 رخصة في 2023، وترتفع تقديرات الموارد المعدنية غير المستغلة من 1.3 تريليون دولار إلى 2.5 تريليون دولار. كما أصبحت إجراءات منح تراخيص التعدين من الأسرع عالميًا، إذ لا تستغرق سوى 180 يومًا فقط، وسط تكلفة طاقة تعد من الأدنى عالميًا، مما يمنح المملكة ميزة تنافسية ضخمة على المستوى العالمي. هذه العناصر دفعت العديد من الدول من أوروبا وشرق آسيا للمنافسة للحصول على حصص طويلة الأجل مع السعودية.

فضلاً عن المعادن النادرة، تضم بعض المناطق السعودية مثل جبل صايد وجبل تولة وغرية وأم البرك، احتياطيات كبيرة من اليورانيوم تقدر بحوالي 31 ألف طن، ما يفتح آفاق تعاون أوسع في مجال الطاقة النووية السلمية بين الرياض وواشنطن ضمن الاتفاق النووي التجاري والتقني “اتفاق 123″، مع التزام سعودي صارم بمعايير عدم الانتشار النووي.

لقد تنقلت العلاقة الأميركية السعودية عبر عقود من “نفط مقابل أمن” إلى شراكة حديثة تقوم على مفهوم “معادن مقابل مستقبل”، حيث تمثل المعادن الاستراتيجية الركيزة التي تعيد تشكيل موازين القوى الاقتصادية والصناعية. بات المسار الجديد يبدأ من المناجم السعودية التي تزود المصانع الأميركية، وصولًا إلى الصناعات الدفاعية والتكنولوجية المتقدمة عالميًا، في خطوة تعكس إرادة مشتركة لبناء سلاسل إمداد مستقرة بعيدًا عن التوترات الجيوسياسية.

هذا الاتفاق الجديد لهزيمة الهيمنة الصينية على صناعة المعادن الحرجة، وللحد من اعتماد واشنطن على روسيا، خصوصًا بعدما دخل قانون حظر واردات اليورانيوم الروسي حيز التنفيذ في 2024؛ مما يرسخ فصلاً جديدًا من التعاون بين البلدين على أساس متين يراعي التحديات والفرص المتاحة.