تحول مالي.. كيف تعيد الأسواق الناشئة صياغة قواعد الاقتصاد العالمي؟

الأسواق الناشئة تعيد تشكيل المعايير والتحول المالي العالمي عبر اعتماد الابتكار الرقابي والتحول الرقمي الذي يسهم في تطوير أسواق رأس المال وتعزيز دورها كشريك محوري في التغيير الاقتصادي الدولي؛ فالأسواق الناشئة لم تعد مجرد متلقٍ بل منصة فاعلة لإعادة صياغة الأطر والقواعد المالية التي تقود التطور العالمي.

الابتكار الرقابي والتحول الرقمي ركيزتان لتطوير أسواق رأس المال في الأسواق الناشئة

شدّد الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية ونائب رئيس المنظمة الدولية لهيئات الرقابة على أسواق المال (IOSCO)، خلال المؤتمر العام لهيئة الخدمات المالية في مالطا، على أن الهيئة تُعد نموذجًا رائدًا يجمع بين الابتكار الرقابي والعمل المستدام والتحول الرقمي الذي يعزز قدرات الأسواق الناشئة على مواكبة التحولات العالمية. هذا التحول يُترجم بشكل واضح من خلال إصدار قانون تنظيم وتنمية استخدام التكنولوجيا المالية ولوائحه التنفيذية، الذي يمثل علامة فاصلة تُبرز قدرة الإطار الرقابي المصري على التكيف مع مستجدات التكنولوجيا المالية، مع ضمان حماية المتعاملين وتعزيز الشفافية في الأسواق الناشئة. ويبرز قانون التكنولوجيا المالية جنوبًا تحولًا جوهريًا في نمط العمل الرقابي، مُرسخًا ثقافة الابتكار المستدام في تطوير أسواق رأس المال.

التحول نحو نموذج رقمي متكامل يقود مستقبل الأسواق الناشئة

خلال جلسة بعنوان “الأسواق الناشئة: الفرص والتهديدات والاتجاهات الجديدة في ظل المشهد العالمي المعقد”، أكد الدكتور محمد فريد أن التحول الرقمي في القطاع المالي بات ضرورة استراتيجية لتعزيز الكفاءة وتطوير الأداء في الأسواق الناشئة. وشمل هذا التحول ترخيص شركات ناشئة رقمية بالكامل، واعتماد السجلات والعقود الرقمية، وتطبيق نظام e-KYC للتحقق الرقمي من الهوية، بالإضافة إلى ترخيص المستشار الآلي (Robo-Advisor) وإطلاق الصناديق الرقمية. هذه الخطوات تعزز بيئة عمل فعالة ومتطورة، وتُسهم في فتح آفاق جديدة للاستثمار والابتكار المالي في الأسواق الناشئة، وهو ما يجعل التحول الرقمي قوة دافعة للنمو الاقتصادي في المستقبل القريب.

التحديات والفرص في إعادة تشكيل المعايير العالمية للأسواق الناشئة

تمثل الأسواق الناشئة اختبارًا حقيقيًا في مواجهة تحديات تتجاوز تلك التي تواجهها الاقتصادات المتقدمة، بحسب الدكتور محمد فريد، الذي أكد أن هذه الأسواق نجحت في تحويل الصدمات الاقتصادية إلى فرص للنمو والتجديد، مما يجعلها مختبرًا حيويًا لإعادة صياغة قواعد الاستثمار والرقابة. ويبرز دمج معايير الاستدامة البيئية والحوكمة والمسؤولية الاجتماعية كمحور رئيس في الإطار الرقابي الجديد، مما يعكس وعيًا متزايدًا بأهمية تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة.

• التركيز على حماية المستثمرين وتعزيز الشفافية
• تحفيز الابتكار المالي والتكنولوجي
• الدمج الإيجابي لمعايير البيئة والحوكمة والمسؤولية الاجتماعية

تعزيز القدرات البشرية والتعاون الدولي دعائم أساسية للتحول المالي في الأسواق الناشئة

أوضح الدكتور محمد فريد أن تطوير مهارات الكوادر البشرية يستأثر بالأولوية كركيزة أساسية لتحقيق التحول الرقمي والابتكار في أسواق رأس المال الناشئة، حيث يشكل الاستثمار في الكفاءات ضمانة لزيادة القدرة التنافسية ومواجهة تحديات المستقبل بنجاح. كما أشار إلى أن التعاون الدولي يُعَد ضرورة ملحة لمواجهة تحديات التجزؤ والتكنولوجيا المتغيرة بسرعة، وأن تبادل الخبرات بين الأسواق الناشئة يسهم في تقوية القدرة على مواكبة المخاطر وجذب الاستثمارات. ويُعزز التعاون بناء بيئة مالية مترابطة ومستقرة تفتح الأبواب أمام تنمية مستدامة وشاملة.

رؤية مستقبلية لأسواق رأس المال خلال العقد القادم: الابتكار والتكامل والنمو المستدام

قدم الدكتور محمد فريد رؤية استراتيجية معتمدة على ثلاثة مبادئ أساسية تشكل قاعدة نهضة الأسواق الناشئة خلال السنوات المقبلة، وهي: الابتكار بنزاهة ليضمن شمولًا ماليًا عادلًا، والتكامل مع الحفاظ على الاستقلالية لضمان شبكة مالية مترابطة لا تضر بالاستقرار الوطني، والنمو المستدام الذي يوازن بين الجوانب الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. هذه الرؤية تعكس إدراكًا عميقًا لأهمية بناء أسواق مالية قوية ومرنة تكيفًا مع تحديات العصر، وتعكس التفاعل البنّاء بين مختلف العوامل التي تشكل حياة الأسواق النامية والناشئة على المستوى العالمي.

تشير هذه المحاور إلى أن تعزيز التعاون الدولي وتكامل الأسواق المالية العالمية يمثّلان السبيل الأنجع لاستقرار مالي شمولي يعود بالنفع على الأفراد والشركات والاقتصادات كافة، ويمنح الأمل في مستقبل مزدهر للأسواق الناشئة التي تسير نحو بناء منظومة مالية أكثر تقدمًا وشمولًا بناءً على أسس راسخة من الابتكار والاعتماد على التكنولوجيا الحديثة.