صلاة الاستسقاء في المذاهب الأربعة: هل هي فرض أم سنة؟
تُعتبر صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة في الشريعة الإسلامية يلجأ إليها المسلمون عند انحباس المطر أو تأخره، أو نقص مياهه التي تؤثر سلبًا على الزرع والضرع وحياة الناس. هذه الصلاة تعبر عن الافتقار الكامل إلى الله تعالى وطلب الغيث برحمته، وهي مشهودة في مذاهب الفقه الإسلامي الأربعة. سنعرض في هذا المقال حكم صلاة الاستسقاء، وكيفية أدائها، بالإضافة إلى السنن المستحبة قبلها وبعدها، مع توضيح مواقف المذاهب المختلفة.
تعريف حكم صلاة الاستسقاء ومتى تُشرع حسب المذاهب الأربعة
صلاة الاستسقاء لغةً تعني طلب السقي، وشرعًا هي صيغة مخصوصة لطلب نزول المطر من الله سبحانه وتعالى، عندما تكون الحاجة ماسة والمطر منقطع أو متأخر، متبعًا سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. من حيث الحكم الشرعي، اتفق جمهور الفقهاء من المالكية، الشافعية، والحنابلة على أن صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة وليست فرضًا، وذلك لثبوت فعل النبي صلى الله عليه وسلم في عدة مواضع. بينما يرى الحنفية أيضًا أنها سنة مؤكدة مع جواز الخروج لأدائها عند الحاجة.
تُصلّى هذه الصلاة في أي وقت لا يصح فيه أداء النوافل المطلقة، أي يكره أداؤها عند طلوع الشمس، أو عندما تكون في كبد السماء، أو عند الغروب، ويُستحب أن تؤدى في وقت صلاة العيد، أي بعد ارتفاع الشمس قدر رمح وحتى قبل الزوال، لتحقيق الأثر الكامل والطاعة.
كيفية أداء صلاة الاستسقاء بالتفصيل في المذاهب الأربعة
تُقام صلاة الاستسقاء ركعتين جهرًا مشابهة لصلاة العيد مع فرق بسيط في الخطبة وسُنن التحويل:
1. الصلاة:
– المكان: يفضل أن تقام في المصلى أو في مكان واسع خارج العمران، تيمنًا بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولتجمع الأعداد.
– النية: ينوي المقيم الصلاة بقصد صلاة الاستسقاء بقلب خاشع.
– الركعة الأولى: يبدأ الإمام بتكبيرة الإحرام ثم يضيف ست تكبيرات زائدة ليصل المجموع إلى سبع تكبيرات. بعدها يقرأ الفاتحة وجهرًا بسورة يُسن أن تكون الأعلى.
– الركعة الثانية: يرفع الإمام عند القيام تكبيرة القيام، ثم يضيف خمس تكبيرات زائدة ليصبح المجموع ست تكبيرات مع تكبيرة القيام، ويقرأ الفاتحة وسورة جهرًا من السور المُستحَبَّة كالغانية.
– التسليم: يُختم الصلاة بالتسليم.
2. الخطبة والدعاء:
– يرى الشافعية والحنابلة أنه يُستحب أن تكون الخطبة بعد الصلاة، ويجب أن تتضمن الاستغفار وذكر التوبة، بدلاً من التكبيرات المعتادة في عيد الفطر.
– الدعاء هو أهم جزء في صلاة الاستسقاء، حيث يرفع الإمام يديه مخاطبًا الله بدعاء مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا، مريئًا، مريعًا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل”.
السنن المستحبة في صلاة الاستسقاء وفق المذاهب الأربعة
تشتمل صلاة الاستسقاء على عدة سنن مستحبة تُعد جزءًا لا يتجزأ من هذه العبادة العظيمة، حيث يجب الالتزام بها لزيادة الفاعلية والقبول:
- التوبة والاستغفار: ضرورة التوبة النصوح وطلب العفو، إذ تُعتبر الذنوب سببًا رئيسيًا لانحباس المطر؛
- الصيام والتصدق: يُستحب صيام ثلاثة أيام قبل الخروج للصلاة، مع الإكثار من الصدقات وصلة الأرحام لتحقيق القبول؛
- إعلان موعد الصلاة: يقوم الحاكم أو العالم بالإعلان قبلها بثلاثة أيام لتحضير الناس وضبط النفوس؛
- الخرج بالتواضع: يجب الخروج مشيًا إلى مكان الصلاة بانكسار وخشوع، مع الابتعاد عن الزينة والدلال؛
- اصطحاب الأطفال والبهائم: لاعتبارهم من الأكفاء ببراءتهم من الذنوب، ورجاء أن يُرحم بهم الله.
ومن السُنن الفريدة في صلاة الاستسقاء، تحويل الإمام والمصلين لردائهم أو عباءاتهم بعد انتهاء الدعاء وقبل الانصراف بوضع يمينهم على يسارهم والعكس، وهو رمزية لتبدل الأحوال من الجفاف والجدب إلى الخير والفيض، ولمعانٍ عميقة تعبر عن الحاجة الصادقة والتضرع لله.
فضل صلاة الاستسقاء وأثرها في تعزيز التوكل والإيمان
تُعلّمنا صلاة الاستسقاء أن كل شيء في الكون بيد الخالق وحده، وأن نزول المطر رزق ورحمة تُنزل بحكمة، وتُمنع بحكمة أيضًا، فالاعتراف بالتقصير والتوبة منها من أسباب رفع البلاء. كل خطوة في هذه الصلاة تمثل إعلانًا شاملًا للخضوع والتوكل على الله، والاعتراف بأن الوسائل لا تكفي وحدها دون إذنه، وأن العبد العارف يلجأ ليطلب رحمته باستمرار.
صلاة الاستسقاء تذكرنا بأن موارد الحياة من مياه وأرزاق وخيرات محكومة بقدر الله، وأن الرجوع الصادق إليه بالدعاء والتوبة هو السبيل لاستدامة النعم. هي عبادة تزيد من الإيمان وتعزز صلة العبد بربه، مجسدة روح التوبة والرجاء في رحمة الله بوضوح.
