أسعار الذهب في سوريا وتأثير الأسواق العالمية على الاقتصاد المحلي
يشهد الاقتصاد السوري حالة من الانفصام بين سعر الصرف الرسمي لليرة السورية، الذي يحافظ على استقرار هش تحت إشراف المصرف المركزي، وبين ارتفاعات قياسية غير مسبوقة في أسعار الذهب تزامنًا مع تقلبات المضاربات الدولية وفقدان الثقة في العملة الوطنية، مما يعكس تحديات هيكلية كثيرة تواجه البلاد في ظل التضخم والعزلة الدولية.
تباين سعر الذهب في سوريا بين الأسعار الرسمية والسوق الموازية
أعلن المصرف المركزي تثبيت سعر صرف الدولار عند 11,000 ليرة للشراء و11,110 ليرة للبيع، واليورو عند 12,780 ليرة للشراء و12,910 ليرة للبيع، بينما استقر سعر الليرة التركية عند 263 ليرة للشراء و266 ليرة للبيع حسب البيانات الرسمية. لكن السوق الموازي عكس واقع مختلف، حيث سجل الدولار آلاف ليرات أعلى، بين 11,630 و11,680 ليرة، وارتفع سعر اليورو إلى 13,575-13,635 ليرة، كما تجاوزت الليرة التركية الأسعار الرسمية لتصل 276-279 ليرة، مما يشير إلى فجوة واضحة بين السوقين.
وعلى صعيد الذهب، بلغ سعر غرام الذهب عيار 21 نحو 1,349,000 ليرة للشراء و1,354,000 ليرة للبيع وسط موجة من الصعود التي وصفها البعض بـ”جنون الأسعار”، إذ أصبح الذهب الملاذ الآمن في ظل ضعف العملة المحلية وتحركات الأسواق العالمية.
السياسات الحكومية ودورها في توازن سوق الذهب في سوريا
يرى محمود النمر، رئيس جمعية الصاغة في دمشق، أن أسعار الذهب مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالدولار في السوق الموازية، مشيرًا إلى أن تجار الذهب يعوضون الارتفاع عبر فروقات في سوق العمل المحلية دون تحمل العبء الكامل لارتفاع الأسعار. اتبعت الحكومة سياسة السوق المفتوح بالسماح باستيراد الذهب المصنع بمراقبة نقابتي الصاغة في دمشق وحلب وهيئة المعادن الثمينة، ما ساعد على زيادة العرض ورفع مستوى المنافسة بين المنتج المحلي والمستورد رغم تراجع القدرة الشرائية وسط ركود اقتصادي.
وأضاف النمر أن الطلب على المشغولات الذهبية انخفض بسبب الظروف المعيشية والأزمات الإقليمية التي أثرت على موسم الذروة للمبيعات، مع تضخم اهتمام المواطنين بالليرات المعدنية والأونصات الذهبية كخيار ادخاري آمن، في ظل عدم استقرار العملة الوطنية. وهو ما يجعل الأسعار المرتفعة تحد من حملات الترويج لدى محلات الصاغة، كونها مرتبطة بسعر الذهب العالمي وسعر الصرف، ولا يمكن التحكم بها محليًا.
مضاربات عالمية وتأثيرها على أسعار الذهب في سوريا واقتصادها الهش
وفقًا للخبير الاقتصادي ومستشار وزارة الاقتصاد جورج خزام، يرتفع سعر الذهب كنتيجة لتقلبات مضاربية منظمة يديرها كبار اللاعبين في الأسواق العالمية. وعند الانخفاض المؤقت لسعر الأونصة من 4,381 إلى 4,086 دولارًا، اعتبره تصحيحًا متعمدًا يتيح إعادة شراء المعدن بسعر أقل لإعادة بيعه عند ارتفاعات أكبر، مستفيدًا من الفارق السعري، وهذه الدورة تؤثر أيضًا على الفضة والمعادن الثمينة الأخرى.
ويرى خزام أن هذه التقلبات السعرية تؤثر بالسلب على اقتصاد مثل سوريا، الذي يعاني ضعف الاحتياط النقدي وتراجع القدرات الإنتاجية، حيث تزيد حدة التذبذب وتقلل الثقة بالعملة المحلية، مما يحتم اعتماد سياسات نقدية أكثر مرونة، والعمل على إعادة بناء الاحتياطي الوطني من الذهب كدرع واقٍ ضد تقلبات الأسواق المالية العالمية.
- ضرورة دعم الإنتاج المحلي والقطاعات التي تحقق إيرادًا بالدولار
- تعزيز الاستقرار المالي بإدارة احتياطي الذهب بشكل استراتيجي
- مواجهة المضاربات الخارجية وتأثيرها على الأسواق المحلية
| سعر الصرف وفقًا للمصرف المركزي | السعر في السوق الموازية |
|---|---|
| الدولار: 11,000 – 11,110 ليرة | الدولار: 11,630 – 11,680 ليرة |
| اليورو: 12,780 – 12,910 ليرة | اليورو: 13,575 – 13,635 ليرة |
| الليرة التركية: 263 – 266 ليرة | الليرة التركية: 276 – 279 ليرة |
في ظل هذه الظروف، من الواضح أن أسعار الذهب في سوريا ليست مجرد انعكاس لتقلبات العملة المحلية فحسب؛ بل هي أيضًا نتاج ديناميكيات مضاربية عالمية تؤثر عميقًا على الاقتصاد السوري الهش، الذي بحاجة ماسة إلى سياسات حكيمة تستند إلى دعم الإنتاج المحلي، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز الاحتياطات لتوفير حماية ذهبية قادرة على تصدي الصدمات الخارجية، مما يبقي مسار الاقتصاد الوطني أكثر ثباتًا وإشراقًا رغم العواصف الاقتصادية العالمية.
وفي سياق متصل، شهدت أسعار الذهب العالمية مؤخرًا انخفاضًا بسيطًا متأثرة بصعود الدولار الأمريكي، فيما يترقب المستثمرون بيانات التضخم الأمريكية التي قد تعطي مؤشرات جديدة لمسار أسعار الفائدة، حيث انخفضت الأسعار الفورية للذهب بنسبة 0.3% لتصل إلى 4082.95 دولار للأوقية، وهو مؤشر يعزز حالة التقلب المستمرة في الأسواق المالية وتأثيرها على الاقتصادات الضعيفة مثل سوريا.
