ضغط الصراعات الجيوسياسية يهدد بانهيار النظام المالي العالمي

نظام مالي عالمي متوتر يشهد تحولات عميقة بفعل المنافسة بين القوى الكبرى، كالصراع الروسي الأوكراني والتوترات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، حيث بدأت عقود من التكامل المالي تتفكك تدريجياً، لتتحول الرسوم الجمركية والعقوبات والاستثمارات المقيدة إلى أدوات استراتيجية تعيد تشكيل خريطة تدفقات الأموال والائتمان والنفوذ الدولي.

نظام مالي عالمي متوتر يفقد تماسكه ويعيد تشكيل تدفقات الأموال

بعد حقبة ما بعد الحرب الباردة، استُفاد من التكامل المالي لتخفيض تكاليف الاقتراض وتقاسم المخاطر وتوجيه الاستثمارات نحو أعلى العوائد، ما ساهم في تخفيف الأزمات وتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية؛ لكن تصاعد التوترات السياسية حول العالم قلّص هذه المزايا، مع تفكيك النظام المالي العالمي الذي لا يرفع فقط تكلفة التمويل، بل يضعف القدرة الجماعية على مواجهة الأزمات الاقتصادية عند حدوثها؛ فقد أصبحت حركة الاستثمار الأجنبي المباشر تُركز داخل تحالفات سياسية، خاصة في القطاعات الحساسة مثل أشباه الموصلات والطاقة.
من جانبها، انقطعت روسيا عملياً عن الأسواق المالية الغربية منذ بداية الحرب في أوكرانيا عام 2022، مع خفض التزاماتها الخارجية إلى النصف، فيما تقلصت الصين انكشافها على الأصول الأميركية مع توسيع قروضها للدول النامية عبر مراكز مالية خارجية، بينما عملت القوى الغربية على تعزيز ترابطها المالي مع بعضها وتقليل تعاملها مع بكين، ما يؤكد عمق التحولات في النظام المالي العالمي المتوتر.

تحديات الأسواق الناشئة واندثار نظام مالي عالمي متوتر تحت هيمنة الدولار

تتحمل الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية العبء الأكبر من هذا التحول الحاد؛ إذ تعتمد بشكل رئيسي على الاستثمارات الغربية للنمو، ومع اتساع الانقسامات الجيوسياسية تتراجع التدفقات الرأسمالية، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض وتقليص فرص التمويل. ويشير تقرير مؤسسة بروكينغز إلى أن زيادة حالة عدم اليقين السياسي تهدد استقرار الأنظمة المالية الهشة حتى قبل فرض العقوبات.
يرتكز النظام المالي العالمي المتوتر على هيمنة الدولار الأميركي، الذي يشكل 60% من احتياطيات النقد الأجنبي و90% من معاملات الصرف العالمية، بينما يظل اليورو لاعباً إقليمياً براقاً مع حصة محدودة لليوان الصيني بحوالي 2%. غير أن محاولات الانفكاك عن العملات الغربية تتسارع؛ حيث قلّصت روسيا وبيلاروس وتركيا اعتمادها على الدولار واليورو، وزادت احتياطاتها من الذهب إلى مستويات لم تُشاهد منذ حقبة بريتون وودز عام 1965، مما يعكس تغييرات محتملة مفاجئة في موازين القوى العالمية.

المال كسلاح سياسي ونظام مالي عالمي متوتر يواجه التحول الرقمي والتحديات التنظيمية

لم تعد البنية التحتية المالية العالمية محايدة كما في السابق، فأنظمة التحويلات مثل «سويفت» و«نظام المدفوعات بين البنوك» أصبحت أدوات ضغط سياسي، كما أوضحت العقوبات الأميركية واستبعاد روسيا من «سويفت» عام 2022؛ مما دفع بعض الدول إلى تطوير أنظمة دفع بديلة مثل النظام الصيني «سي آي بي إس» الذي يتيح تسوية المعاملات باليوان، والنظام الروسي «إس بي إف إس» كبدائل محلية لا تزال محدودة الانتشار مقارنة بالبنية الغربية.
ومن جهة أخرى، يشهد النظام المالي العالمي المتوتر تحولات رقمية مع صعود العملات المستقرة (Stablecoins)، وهي رموز رقمية خاصة مرتبطة بالدولار، تعزز الطلب على الأصول الأميركية لكنها تحمل مخاطر تنظيمية وشفافية، وتهدد القدرة على الصمود في الأزمات؛ ويؤكد التقرير أن تضارب القواعد الوطنية في تعاملات هذه العملات قد يفاقم الانقسام بدلاً من توحيد النظام المالي.

  • تضخم شبكة الأمان المالي تشمل احتياطيات الدول وصناديق الإقراض وصناديق إقليمية
  • عدم المساواة في وصول الدول إلى السيولة المالية يفاقم من ضعف الدول النامية
  • خطر تعطيل التنسيق الدولي في أوقات الأزمات بسبب الانقسامات السياسية
العملة نسبة الاحتياطيات العالمية نسبة المعاملات العالمية
الدولار الأميركي 60% 90%
اليورو نسبة مرتفعة إقليمياً غير محددة
اليوان الصيني حوالي 2% غير محددة

تتجه أزمة النظام المالي العالمي المتوتر نحو مفترق طرق اقتصادي؛ فارتفاع تكاليف التمويل، وتباطؤ المدفوعات، وتقلبات أسعار الصرف، وضعف فعالية العقوبات، وتآكل قدرة المؤسسات الدولية على التنسيق، كلها مؤشرات على تحديات كبرى؛ لكن تقرير «بروكينغز» يؤكد أن إعادة بناء الثقة ممكنة من خلال التزام بالتعددية، وإعطاء الأصوات الأكبر للمنتسبين الجدد، وزيادة الشفافية في إعادة هيكلة الديون، وتنظيم العقوبات المالية بحكمة لتجنب تقويض مصداقية النظام، وتحديث أنظمة الدفع العالمية لضمان التكامل والتنظيم الفعّال للعملات الرقمية، ما يحدد المستقبل بين عالم الجدران المحصنة وعالم القنوات المفتوحة، في ظل تداخل الطموحات السياسية واعتماد مالي متبادل.