ارتفاع الأسهم وأسعار الذهب والفضة: تحركات الأسواق الدولية وتوقعات المستثمرين
تراجعت موجة الصعود التي شهدتها الأسواق وأسهمت في دفع الأسهم إلى مستويات قياسية، مع ظهور علامات على إرهاق المشترين في الأسواق المالية، ما أثّر أيضاً على أسعار الذهب والفضة التي سجلت خسائر حادة وسط ارتفاع قيمة الدولار الأميركي، في ظل حالة تقلبات ملحوظة في الأسواق العالمية.
تحركات متفاوتة للأسهم وتأثيرها على أسعار الذهب والفضة
أنهت الأسهم الأميركية جلساتها الأخيرة دون تغييرات جوهرية، حيث أغلق مؤشر “إس آند بي 500” في حالة استقرار نسبي، رغم عمليات تقليص المخاطر التي تزامنت مع المخاوف المتزايدة من التوترات التجارية والائتمانية، إلا أن مستوى الانكشاف على الأسهم لدى صناديق التحوط العالمية والمستثمرين التقليديين ما يزال عند أعلى مستوياته منذ أكثر من عام، وفقاً لما جاء في تقرير “باركليز”. وأشار كريغ جونسون من شركة “بايبر ساندلر” إلى أن التوقعات الفنية قصيرة الأجل تشير إلى فترة من التماسك أو تراجع مؤقت للأسهم خلال الأسابيع المقبلة، ووصف هذه التراجعات بأنها صحية وضرورية لضمان استقرار السوق.
في ظل إغلاق الحكومة الأميركية الذي تسبب في ندرة البيانات الاقتصادية، كانت الانخفاضات في الأسهم قصيرة الأجل، حيث يرى المستثمرون فيها فرصة لزيادة المخاطر في محافظهم الاستثمارية. وأكد مايكل براون من مجموعة “بيبرستون” أن عمليات التراجع لا تستمر طويلاً لأنها تمثل فرصاً للشراء وزيادة المخاطر في المحافظ، مشيراً إلى أن الاتجاه الأساسي للأسواق لا يزال يتجه نحو الصعود مع بقاء الانخفاضات بمثابة فرص جذب المستثمرين.
سجل مؤشر “داو جونز الصناعي” مستوى قياسياً جديداً مدعوماً بتوقعات إيجابية من شركة “3 إم”، في المقابل شهدت أسهم “ألفابت” تراجعاً بعد إعلان “أوبن إيه آي” عن إطلاق متصفح “تشات جي بي تي” المدعوم بالذكاء الاصطناعي لمنافسة “جوجل”، كما أثرت نزاعات ضريبية على أرباح “نتفلكس” في البرازيل، فيما قدمت شركة “تكساس إنسترومنتس” توقعات معتدلة لأدائها المستقبلي.
ومع انخفاض عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بنقطتين أساس إلى 3.96%، ارتفعت عملة “بتكوين” الرقمية، بينما شهدت أسعار الذهب والفضة أكبر تراجع لها منذ سنوات إثر جني المستثمرين للأرباح وسط مخاوف من مبالغة التقييم بعد الارتفاعات التاريخية الأخيرة. ويرجع التراجع في المعادن الثمينة إلى عدة عوامل منها التفاؤل بمحادثات التجارة بين الصين والولايات المتحدة، قوة الدولار، الإفراط في المكاسب التقنية، بالإضافة إلى توقف البيانات الحكومية الأميركية ونهاية موسم الشراء الموسمي في الهند.
- تراجع عوائد السندات الأميركية وتأثيره على الأسواق
- التقلب في أسعار الذهب والفضة وتقييم الاستثمار
- التوترات التجارية ودورها في تقلب الأسواق
فواد رزاق زاده من “سيتي إندكس” و”فوركس دوت كوم” وصف ارتفاع أسعار الذهب في الأشهر الماضية بأنه استثنائي، مدفوعاً بتراجع العوائد واشتراءات متواصلة من البنوك المركزية وتوقعات التيسير النقدي، مؤكداً أن الأسواق نادراً ما تتحرك في خطوط مستقيمة وأن التصحيحات الحالية طبيعية وضرورية، مع احتمال عودة كثير من المستثمرين الذين فوتوا الفرصة السابقة للشراء عند الانخفاضات، مما قد يحد من حدة التراجع.
تقلبات الذهب والأسهم في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية
سجل الذهب، الملاذ الآمن التقليدي للمستثمرين، فترات تقلب غير مسبوقة مقارنة بمؤشر “إس آند بي 500” منذ جائحة كورونا، حيث تجاوز الفارق بين تقلب الذهب خلال 30 يوماً والمؤشر الأميركي 11 نقطة، وهو أوسع نطاق يُسجل منذ سبتمبر 2020. في هذا السياق، قامت شركة “باينبريدج إنفستمنتس” بزيادة تعرضها للذهب على حساب السندات الحكومية طويلة الأجل، كما ضاعفت حيازاتها من الدولار الأميركي، اعتقاداً منها أن العملة الأميركية ستستفيد من تدفقات رؤوس الأموال نحو الأسهم والعملات المستقرة.
مايكل كيلي من “باينبريدج” أشار إلى أن الذهب هو الأصل الآمن الوحيد المتبقي في الأسواق، موضحاً أن السندات الحكومية لم تعد قادرة على أداء دورها التقليدي في التحرك عكس الاتجاهات في الأسهم والأصول عالية المخاطر. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الأسواق تحت تأثير تقلبات حادة من شأنها أن تبشر بإعادة تقييم جذرية محتملة، لكنها لا تعني انتهاء السوق الصاعدة.
مات مالي من “ميلر تاباك” يوضح: “التقلبات الحادة التي تلي موجات ارتفاع كبيرة غالبا ما تعكس استعداد السوق لتصحيح ملموس، لكنها ليست بالضرورة علامة على نهاية الاتجاه الصاعد، رغم أنها تثير قلقاً لدى المستثمرين والمتداولين”
توقعات الأسواق بين التفاؤل الحذر وانخفاض أسعار النفط
يبقى مؤشر “إس آند بي 500” قريباً من أعلى مستوياته، مدعوماً بإشارات إيجابية من البيت الأبيض حول تقدم المحادثات التجارية مع الصين، فضلاً عن نتائج قوية من بنوك إقليمية خففت من المخاوف بشأن القطاع المالي. وأكد ديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي لـ”غولدمان ساكس”، أن الخسائر التي تعرضت لها بعض البنوك الإقليمية ترتبط بحوادث محدودة وصفها بالعزلة ولا تشكل أزمة نظامية.
رغم التحذيرات خلال الأشهر الستة الماضية، حافظ “إس آند بي 500” على أدائه القوي مسجلاً واحدة من أفضل فتراته منذ خمسينيات القرن الماضي، لكن فجوة أكتوبر تشير إلى تحركات المستثمرين لتغطية مراكزهم القصيرة قبيل قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة المرتقب في 29 أكتوبر. ويرى خبراء مثل فيكتوريا غرين من “جي سكويرد برايفت ويلث” أن فترة أكتوبر كانت حافلة بالمفاجآت، إلا أن الأسهم لا تزال صامدة أمام موجة الأخبار السلبية، مع توقع استمرار السوق الصاعدة رغم التقلبات forecasted.
ومع اقتراب موسم نوفمبر وديسمبر، يعتقد جو تيغاي من صندوق “راشونال إكويتي آرمور” أن شهري الخريف يميلان تاريخياً لصالح الأسهم، خصوصاً في قطاع التكنولوجيا، مع إمكانية حدوث المزيد من التقلبات قبل عطلة الهالوين، لكن النظرة لبقية العام لا تزال إيجابية.
المؤشر/الأصل | التغير الأخير |
---|---|
داو جونز الصناعي | سجل مستوى قياسي جديد |
عائد سندات الخزانة – 10 سنوات | انخفض إلى 3.96% |
أسعار الذهب | شهدت انخفاضاً حاداً |
بتكوين | ارتفعت وسط تقلبات |
على صعيد أسعار النفط، يرى إد يارديني المحلل في “وول ستريت” أن استمرار انخفاض أسعار النفط قد يؤدي إلى هبوط عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عشرة أعوام إلى 3.75% مع احتمالية خفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، مؤكداً أن العلاقة الطويلة الأجل بين الأصول تعود إلى تأثير النفط على معدلات التضخم، حيث أدى وفرة النفط وخشية تباطؤ الاقتصاد العالمي إلى تراجع أسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى أدنى مستوياتها منذ تعافي الأسواق بعد جائحة كورونا، مما من شأنه دعم خفض معدلات التضخم وتحسين القوة الشرائية للمستهلكين.
يكشف هذا التباين بين تحركات الأسواق والأساسيات الاقتصادية المتغيرة عن بيئة استثمارية معقدة تحتاج إلى متابعة دقيقة، حيث تجمع موجات الصعود والهبوط فرصاً وتحديات للمتعاملين في الأسهم والمعادن الثمينة والعملات الرقمية على حد سواء وسط أجواء من التفاؤل الحذر والديناميكية المستمرة.