ارتفاع 20% في تكاليف استثمار طاقة الرياح البحرية يثير القلق

طاقة الرياح البحرية تواجه مأزق ارتفاع التكلفة الرأسمالية الذي أدى إلى زيادة تكلفة إنتاج ميغاواط بنسبة تقارب 20% خلال فترة ثلاث سنوات، مما أضعف من جاذبية المشاريع الاستثمارية في هذا القطاع أمام المطورين. كشف محللو شركة “تي جي إس 4 سي” لأبحاث السوق أن الإنفاق الرأسمالي لكل ميغاواط ارتفع من 2.5 مليون يورو (2.93 مليون دولار أميركي) في عام 2022 إلى 3 ملايين يورو (3.51 مليون دولار أميركي) في الوقت الراهن وفق تقرير خاص بمنصة الطاقة المتخصصة.

شهدت ألمانيا في أغسطس 2025 حالة غير معتادة على صعيد مشروعات طاقة الرياح البحرية، حيث لم يتقدم أي مطور للمشاركة في مزايدة مشروعي طاقة في بحر الشمال، الأمر الذي يعكس حجم التحديات التي تواجه صناعة طاقة الرياح البحرية في أوروبا والعالم. يُعتبر بحر الشمال من أفضل المواقع عالميًا لإقامة هذه المشاريع، لتميزه بسرعات رياح شديدة تصل إلى 9 أمتار في الثانية، مما يجعل الموقف الألماني دلالة واضحة على الضغط الذي يعانيه القطاع.

خلافاً لذلك، شهدت استثمارات ضخمة خلال العامين السابقين من قبل شركتي النفط العملاقتين بي بي البريطانية وتوتال إنرجي الفرنسية، حيث قررتا ضخ 12.6 مليار يورو (14.74 مليار دولار أميركي) في تطوير مشروعين كبيرين في بحري الشمال الألماني والبلطيق، مما يؤكد الإمكانات الهائلة التي يتمتع بها هذا القطاع رغم التحديات الراهنة.

ارتفاع سعر الفائدة وتبعاته على صناعة طاقة الرياح البحرية

تُعاني صناعة طاقة الرياح البحرية منذ سنوات من تحديات عميقة تفاقمت مع تفشي جائحة كوفيد-19؛ إذ شهدت الدول ارتفاعات متتالية في أسعار الفائدة، وزيادة ملحوظة في تكاليف سلاسل الإمداد. إضافة إلى ذلك، تزايدت التوترات السياسية، لا سيما في الولايات المتحدة التي شهدت انتقادات حادة من الرئيس السابق دونالد ترمب لهذه الصناعة، وهو ما ألقى بظلاله على ثقة المستثمرين.

في مقابلة مع مدير قطاع مزارع طاقة الرياح البحرية في شركة “آر دبليو إي” الألمانية، سفن أترموهلم، أشار إلى أن قطاع طاقة الرياح البحرية يواجه صعوبات شديدة بفضل هذه العوامل المتعددة. الشركة الألمانية علّقت استثماراتها في مشاريع أمريكية كان من المقرر أن تساهم في التخلص من محطات الفحم لتوليد الكهرباء، بسبب ارتفاع التكاليف والاعتراضات السياسية، بالإضافة إلى تباطؤ جهود مكافحة تغير المناخ الذي أخر عجلة إزالة الكربون والتحول الطاقي، مما دفع هذه المبادرات إلى الهامش.

في الفترة بين عامي 2023 وما بعده، تم إلغاء قدرة مركبة من طاقة الرياح البحرية بعشرات الغيغاواط، وتزامن ذلك مع اتفاقيات شراء بقيمة 24.1 غيغاواط، وفقًا لبيانات صادرة عن شركة الاستشارات “وود ماكنزي”. حددت الشركة حجم هذه القدرة بأنها تكفي لتلبية حاجات نحو مليون منزل في المملكة المتحدة، ما يبرز حجم الإلغاء المقلق. وتتوقع “وود ماكنزي” أن تكون القدرة المركبة خارج الصين حوالي 100 غيغاواط جاهزة للتشغيل بحلول عام 2030، وهو أقل بـ140 غيغاواط من الأهداف العالمية المحددة لنهاية العقد.

السنة الإنفاق الرأسمالي لكل ميغاواط (يورو)
2022 2.5 مليون
العام الحالي 3 ملايين

نمو سريع لصناعة طاقة الرياح البحرية قبل التحديات الأخيرة

شهد قطاع طاقة الرياح البحرية طفرة كبيرة بين عامي 2010 وبداية 2020، مدعومة بفوائد منخفضة وأساليب فعالة لخفض تكاليف سلاسل الإمداد، ما ساهم في زيادة القدرة المركبة من 3 غيغاواط في 2010 إلى 78.5 غيغاواط حتى نهاية العام السابق، نصفها في الصين. ومع ذلك، عقب انتشار جائحة كوفيد-19، انقلبت الأوضاع للتحديات، حيث ارتفعت أسعار الفائدة وأثرت قيود الإغلاق في الصين التي اتبعت سياسة “صفر كوفيد” على سلاسل الإمداد في جميع القطاعات، الأمر الذي استمر في رفع التكاليف ضمن قطاع طاقة الرياح البحرية.

نتيجة لذلك، تم إلغاء عدد من المشاريع أو خفض تقييمها، مما أثر على مشاركة المطورين في مزادات مشروعات طاقة الرياح البحرية في عدة دول منها هولندا والدنمارك والهند. أثرت هذه التحديات أيضًا على الشركات الكبرى مثل شركة أورستد الدنماركية، أكبر مطور لمشروعات طاقة الرياح البحرية عالميًا، التي اضطرت إلى جمع 9 مليارات دولار إضافية من المستثمرين، وبالتزامن أعلنت خفض ربع قوتها العاملة من أصل 8 آلاف موظف.

  • ارتفاع التكاليف الرأسمالية يزيد العبء على القطاع.
  • التوترات السياسية تعطل سير العمل في بعض المناطق.
  • انخفاض القدرة الاستثمارية للمطورين نتيجة عدم اليقين الاقتصادي.
  • تباطؤ إجراءات مكافحة تغير المناخ يضعف دوافع التحول الطاقي.

تعكس هذه المعطيات أن طاقة الرياح البحرية تواجه موجة معقدة من التحديات تجعل من الضروري إعادة التفكير في استراتيجيات الاستثمار والابتكار لمجابهة هذه الصعوبات مع الحفاظ على الوتيرة اللازمة للانتقال نحو مصادر طاقة أنظف وأكثر استدامة.