الذهب يفضح الأسرار ويكشف الحقيقة في شهادة صامتة مثيرة للجدل

في سياق الاقتصاد العالمي المعقد، برزت زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لموقع “فورت نوكس” في فبراير 2025 كحدث رمزي في توقيت حساس، حيث تحتفظ الولايات المتحدة بأكبر احتياطيات الذهب السيادي، بهدف تعزيز الثقة وسط نظام مالي يفتقر إلى الأسس المادية القوية، ومع تصاعد المخاوف العالمية من استدامة الاقتصادات الورقية، بات الذهب مؤشرا للتوجهات الاقتصادية والنقدية القادمة.

زيارة دونالد ترامب لفورت نوكس وتعزيز الثقة بالذهب

في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة، جاءت زيارة “فورت نوكس” لتسليط الضوء على دور الذهب كأصل نقدي استراتيجي، إذ تحتفظ الولايات المتحدة بأكثر من 8000 طن من الذهب حسب تقرير مجلس الذهب العالمي عام 2024، هذا القرار استهدف استعادة الثقة بالنظام المالي الأمريكي، في حين ارتفعت أسعار الذهب بشكل ملفت بالتزامن مع زيادة الاضطرابات التجارية، مما يظهر هشاشة النظام النقدي القائم على الدولار الرمزي غير المغطى بالموارد الحقيقية.
الارتفاع المستمر في أسعار الذهب من 2,696 دولارا للأونصة إلى أكثر من 3,400 دولار خلال العام نفسه يشير بوضوح إلى تآكل الثقة الدولية بالدولار، حيث يرى المستثمرون في المعدن الأصفر ملاذاً آمناً مقارنة بالأصول النقدية الورقية، التي تتعرض لشكوك عميقة نتيجة العجز المالي الأمريكي الضخم البالغ 36 تريليون دولار، ناهيك عن التقييم السلبي لوكالات التصنيف العالمية كـ”فيتش”.

دور روسيا والصين في إعادة تشكيل نظام الاحتياطيات العالمية

الاقتصادات الصاعدة مثل روسيا والصين تتخذ خطوات جادة لتقليص اعتمادها على الدولار الأمريكي، إذ بلغ احتياطي الذهب الروسي عام 2024 نحو 217 مليار دولار، ما يعادل 34% من إجمالي احتياطياتها النقدية، إضافة إلى ذلك، استمرت روسيا في بيع سندات الخزانة الأمريكية كما فعلت عام 2017، ما يعكس تحولاً استراتيجياً نحو تعزيز الأصول الصلبة ذات القيمة المستدامة.
الصين، بدورها، خفضت حيازتها من السندات الأمريكية بنحو 550 مليار دولار منذ 2011، في حين واصلت زيادة احتياطياتها من الذهب بوتيرة متسارعة منذ نهاية 2022، هذه الاستراتيجية تهدف إلى تعزيز قوة اليوان الصيني وتقليل النفوذ الأمريكي في الأسواق المالية العالمية، حيث سعى بنك الشعب الصيني لإعادة تعريف توازنات القوة الاقتصادية ضمن نظام متعدد الأقطاب.

المخاوف من تآكل الدولار وهيمنة الذهب

النظام المالي العالمي يبدو على أعتاب مرحلة جديدة مع تصاعد القلق من استدامة الدولار كعملة احتياطية عالمية، فالزيادة القياسية في الطلب العالمي على الذهب، والتي بلغت 1045 طناً عام 2024، جاءت نتيجة مشتريات البنوك المركزية وليس بسبب المضاربات، مما يعكس تفضيلاً متزايداً للأصول الثابتة على المديونية الورقية التي تقودها الولايات المتحدة.
بالتالي، لا تتعلق الأزمة الحالية في النظام المالي العالمي بأزمات السيولة المعتادة، بل بتحديات الثقة التي أصبحت تزداد مساحةً مع مرور الوقت، وإذا استمر الاتجاه نحو الذهب كبديل استراتيجي، فقد نشهد قريباً انهياراً في هيمنة الدولار وتأسيساً لنظام نقدي جديد يعكس الواقع الاقتصادي باعتماد أقل على الرموز الورقية وأكثر على الموارد الملموسة، ما يعيد تعريف الاستراتيجيات الدولية.