الذهب ومستقبله في ظل التوترات العالمية والأسواق المتقلبة
شهد الذهب مؤخرًا تراجعات طفيفة في نهاية الأسبوع، لكنه لا يزال يحتفظ بمكانته كأحد أهم الأصول الاستثمارية عالميًا، مسجلاً مستويات قياسية قاربت 4400 دولار للأونصة، ويعود السبب إلى تصاعد التوتر التجاري بين واشنطن وبكين، استمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي، وارتفاع الطلب على الملاذات الآمنة بسبب تآكل ثقة المستثمرين بالأسواق المالية.
الذهب ومستقبل الأسعار بين التصحيح والارتفاع المتوقع
يرى مصطفى فهمي، الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات في شركة فورتريس للاستثمار، أن الأسعار ستكون في حركة تصحيحية طبيعية بعد الارتفاع الحاد للذهب في الأسبوع السابق، متوقعًا توقف الأسعار مؤقتًا بين 3900 و4000 دولار للأونصة ما لم تحدث مستجدات جوهرية تؤثر على السوق. ويؤكد فهمي أن الاتجاه العام لا يزال تصاعديًا على المدى المتوسط والطويل، مدعومًا بالطلب الكبير من البنوك المركزية والمؤسسات والمستثمرين الراغبين في التحوط أو الهروب من التضخم وتآكل قيمة العملات الورقية، مشيرًا إلى أن الذهب سيعود إلى الصعود بعد انتهاء فترة التصحيح الحالية.
ويؤثر على أسعار الذهب عدة عوامل من بينها:
- حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين
- استمرار أو انتهاء الإغلاق الحكومي الأمريكي
- التطورات السياسية في فرنسا واليابان
- العوامل الجيوسياسية الأخرى ذات الأثر المباشر والمستمر
ومن الجلي أن الطلب سيبقى مدفوعًا بالعوامل الاقتصادية والجيوسياسية، خاصة مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والتوترات بين الولايات المتحدة وفنزويلا.
الذهب في التحليل الفني والتوقعات الأسبوعية
وأشار وليد فقهاء، مدير الاستثمار في شركة الأهلي للوساطة المالية، إلى أن الصورة الفنية للذهب ما تزال إيجابية رغم المخاطر المتزايدة، حيث وصل السعر إلى نحو 4400 دولار للأونصة قبل أن يتراجع بنحو 130 دولارًا ويغلق قرب 4270 دولارًا، متوقعًا استمرار الذهب في التحرك ضمن نطاق يتراوح بين 4100 و4300 دولار للأونصة الأسبوع المقبل في حال غياب مستجدات مؤثرة. ويضيف فقهاء أن التوترات الجيوسياسية والتصريحات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة تضغط على المستثمرين وتبقي الأسعار عند مستويات مرتفعة قرب 4250 إلى 4300 دولار، مع استمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي وغياب حلول وشيكة للأزمة.
وأكد فقهاء أن أي تقارير ضعيفة للناتج المحلي الإجمالي أو قرارات أسعار الفائدة في الصين ستؤثر مباشرة على معنويات المستثمرين، مما يزيد من الطلب على الذهب كملاذ آمن رغم السياسات النقدية المتشددة.
توقعات الذهب متوسطة الأجل واستراتيجيات الاستثمار
يرى طلال السمهوري، مدير الاستثمار في شركة أفينتيكوم لإدارة رأس المال، أن الاتجاه العام للذهب سيظل صاعدًا خلال الفترة الممتدة من 9 إلى 12 شهرًا القادمة، رغم الصعوبة في التنبؤ بحركة الأسعار على المدى القصير بسبب التطورات السياسية والتجارية المتسارعة. وتوضح تقارير بلومبيرغ أن الذهب ارتفع أكثر من 60% منذ بداية 2025 نتيجة موجة شراء قوية من البنوك المركزية وصناديق المؤشرات، مع تحول عالمي نحو الأصول الحقيقية بعدما تراجع الثقة بالنظام المالي وتذبذبت العملات، في حين شهدت الفضة مكاسب قياسية قبل أن تتراجع بنسبة 6% في أكبر هبوط لها خلال نصف عام تقريبًا.
ويعتبر الذهب اليوم مؤشرًا نفسيًا أساسيًا يعكس تأثير الرسوم الجمركية والتوترات الجيوسياسية ومعدلات الفائدة وأزمات الديون الحكومية.
أما بالنسبة لنصائح المستثمرين في الذهب، فإن مصطفى فهمي ينصح من يشتري كتحوط من التضخم أو لتخزين القيمة بالاحتفاظ عليه لمدى متوسط وطويل، مذكرًا بأن الارتفاعات الحالية نتجت عن فترات طويلة من الاستقرار وأن الذهب مرشح لتجاوز 5000 دولار للأونصة طالما استمرت الظروف الاقتصادية والسياسية الراهنة، بينما يوصي بالحذر للمضاربين لأن كل موجة صعود قوية تعقبها موجة تصحيح.
في المقابل، يشدد وليد فقهاء على أهمية الشراء الجزئي المتدرج لتجنب مخاطر التوقيت الخاطئ، وينصح بالبيع الجزئي عند بلوغ أسعار مرتفعة.
الاستراتيجية | النصيحة |
---|---|
الاستثمار طويل الأجل | شراء الذهب والاحتفاظ به للمدة المتوسطة والطويلة |
المضاربة | الحذر من التقلبات والانتظار للتصحيحات قبل الشراء |
التداول الجزئي | الشراء والبيع في مراحل لتقليل المخاطر |
يبقى الذهب بين خيارات الملاذ الآمن ومرآة الاضطرابات، يعكس حالة القلق الاقتصادي والسياسي العالمية ويعمل كتحوط ضد موجات التضخم والاضطرابات التجارية مع بقاء الاتجاه العام إيجابيًا على الرغم من التصحيحات القصيرة الأجل، ما يجعله محور ثقة مالي في عالم مليء بالتقلبات، حيث تُعتبر أي هبوط مؤقت فرصة للشراء وليس للقلق.