هل يهدد الذكاء الاصطناعي مستقبل مواقع الإنترنت؟ تعرف على السيناريوهات المحتملة

الانخفاض الحاد في حركة المرور على مواقع الإنترنت بسبب الذكاء الاصطناعي يغير المشهد الرقمي بشكل جذري، حيث باتت أدوات الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي تلبي احتياجات المستخدمين بسهولة تامة، مما أدى إلى تراجع الاعتماد على البحث التقليدي عبر المواقع، وهو ما يؤثر مباشرة على إيرادات الإعلانات والاشتراكات ويعيد صياغة مستقبل الويب المفتوح بالكامل.

تأثير الانخفاض الحاد في حركة المرور على مواقع الإنترنت بسبب الذكاء الاصطناعي

في مطلع العام الماضي، تلقى ماثيو برينس، مؤسس شركة كلاود فلير التي توفر بنية تحتية أمان لحوالي خُمس الإنترنت، اتصالات من رؤساء شركات إعلامية يعانون من تهديد إلكتروني غير معتاد؛ حيث أخبروه بأن التهديد ليس مصدره الكوريون الشماليون، بل جاء من الذكاء الاصطناعي، كما نقلت مجلة الإيكونوميست. هذا التغير الناتج عن التكنولوجيا الذكية أعاد تشكيل توجهات التصفح، إذ بدأ المستخدمون يتجهون إلى شات جي بي تي للحصول على إجاباتهم بدلاً من زيارة المواقع المتخصصة. النتيجة كانت تراجعاً كبيراً في حركة المرور على مواقع الإنترنت، مما ينعكس سلباً على الاقتصاد الضمني القائم على الإعلانات والاشتراكات.

الإحصاءات التي توضح سبب انخفاض حركة المرور على مواقع الإنترنت بسبب الذكاء الاصطناعي

وفقًا لتقرير الإيكونوميست، يستخدم نحو 800 مليون شخص تطبيق شات جي بي تي، الذي يعد التطبيق الأكثر شعبية على متجر iPhone، حسب تصريحات شركة أوبناي (OpenAI)، وهو المطوّر لهذا البرنامج. كذلك، كشفت شركة Apple عن انخفاض عمليات البحث التقليدية عبر متصفح Safari لأول مرة في أبريل، حيث تحول المستخدمون إلى البحث عن إجابات باستخدام الذكاء الاصطناعي. من جانبها، أشارت شركة Similarweb التي تتابع حركة المرور لأكثر من 100 مليون موقع إلى انخفاض في حركة البحث العالمية بنسبة تقريبية بلغت 15% حتى يونيو. هذا التراجع لم يطال جميع الفئات بشكل متساوٍ؛ فبينما أظهرت بعض المواقع، مثل تلك التي يهتم بها الهواة، أداءً جيدًا، فإن المواقع التعليمية، الصحية، والمراجع تعرضت لأضرار جسيمة، إذ خسرت الأولى 10% من زوارها، والثانية 15%، والثالثة 31%.

كيف تتعامل الشركات مع انخفاض حركة المرور على مواقع الإنترنت بسبب الذكاء الاصطناعي؟

الشركات التي تعتمد على الإعلانات أو الاشتراكات رصدت تأثير تراجع الزوار كمصدر مباشر لخسارة في إيراداتها. نيل فوجل، رئيس شركة Dotdash Meredith المالكة لمواقع شهيرة مثل People وFood & Wine، أعرب عن استيائه من تغيّر العلاقة مع جوجل، موضحًا أن حصة المرور التي كانت تتجاوز 60% من جوجل قبل ثلاث سنوات انخفضت إلى نحو 35%، مع اتهامه بسرقة المحتوى لصالح المنافسين. رداً على ذلك، تؤكد جوجل أن استخدام محتوى الآخرين يتم بشكل عادل لكن نسبة البحث الذي لا يحول إلى نقرات على الأخبار عبر معاينات الذكاء الاصطناعي ارتفعت من 56% إلى 69% حسب شركة Similarweb. وتذّكر ويكيبيديا، المعتمدة على المتطوعين وتوثيق المراجع، أن الملخصات المولدة دون الإشارة للمصادر تعيق المستخدمين من الوصول للموقع والمساهمة فيه.

في ظل هذه الظروف، برزت قضايا قانونية بين المواقع والشركات المطورة لأدوات الذكاء الاصطناعي كأوبناي وبيربلكسيتي حول تجاوز حقوق النشر وسرقة الملكية الفكرية، إضافة إلى اتفاقيات تنسيق تمنح المواقع تدفقاً جزئياً من الزوار والإعلانات مقابل مبالغ تدفعها شركات الذكاء الاصطناعي، ما وصفه روبرت تومسون، الرئيس التنفيذي لشركة نيوز كورب، بـ«التودد والمقاضاة». تشمل هذه الإجراءات:

• اتفاقيات تعاون ونشر محتوى بين مواقع كبرى وشركات الذكاء الاصطناعي
• مقاضاة شركات الذكاء الاصطناعي من قبل شركات تابعة لنيوز كورب وبيربلكسيتي
• نظام دفع جديد يفرض رسومًا على برامج زحف الإنترنت للتحكم في استهلاك المحتوى

تجري تجارب لحلول مثل نظام الدفع على محركات البحث عبر برامج زحف الويب، والذي يمنح أصحاب المواقع سلطة التحكم في الوصول إلى محتواها وتحقيق العوائد المالية من خلال فرض رسوم متغيرة حسب النطاق، ولكن هذه التجارب ما زالت في مراحلها الأولى. يعبر ماثيو برينس عن أمله بضرورة وضع قواعد واضحة توازن بين متعة الحصول على المحتوى للمستخدمين، وتكلفة دفع شبكات الإنترنت مقابل ذلك، مؤكدًا أن الذكاء الاصطناعي ليس العامل الوحيد في تقلص زيارة مواقع الإنترنت، حيث يبرز أيضاً النمو في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والبودكاست، لكنه يبقى التهديد الأكبر مقارنة بالوسائل الأخرى. لمواجهة هذا الواقع، يتعين على مواقع الإنترنت البحث عن نماذج جديدة مستدامة لكسب المال تضمن استمرارها ضمن المشهد الرقمي المتغير.