«ألغاز خفية» تثقيف البروليتاريا الرثة قصة عجيبة تكشف أسراراً لا تعرفها

القصص التي عشتها ولا أنساها في صنعاء خلال نهاية التسعينيات تحكي عن تجربتي الصحفية الأولى بشغف لا يضاهى، حيث كنت “زنجبيل في غباره” قادمًا من ريف إب، وأول قصة نشرتها جعلتني أعيش فرحة غير مسبوقة دفعتني لمشاركة فرحي مع كل من حولي بطريقة هستيرية، حتى مع أصدقائي العمال الذين لا يعرفون شيئًا عن الصحافة. كانت بداية مشواري الصحفي مليئة بالتحديات، ومعرفة معنى “تثقيف البروليتاريا الرثة” كانت إحدى أبرز المحطات التي شكلت تجربتي.

بداية شغفي الصحفي وتجربة العمل في الصحف المغمورة

وصلت إلى صنعاء نهاية التسعينيات، وكان شغفي الصحفي عارمًا لدرجة الجنون، فحين نُشرت لي أول قصة، لم تغمض لي عين طوال الليل من كثرة السعادة. لم أكتف بهذا، بل حملت الصحيفة لأصحاب السكن الذين كانوا عمالًا بعيدين عن عالم الصحافة، وأجبرتهم على قراءة قصتي واحدًا تلو الآخر، حتى كدت أصل إلى حد أن أضع البرميل والخشبة في منتصف الشارع لأجبر المارة على قراءة قصتي. ومع استمرار نشر قصصي ومقالاتي، توجهت للعمل في صحيفة صغيرة وضعيفة، كان رئيس تحريرها ينظر لي بازدراء بسبب مظهري المتشرد، لكنه طلب مني إجراء مقابلة مع أستاذ علوم سياسية في جامعة صنعاء، قيادي بحزب يساري، ظن أنه بذلك يخلصني من إزعاجي لكنني وجدت الفرصة أن أجعل من هذه المقابلة بداية حقيقية لمسيرتي.

تثقيف البروليتاريا الرثة: المفهوم والتجربة العملية

في المقابلة مع الدكتور، وصف لي الحل بـ “تثقيف البروليتاريا الرثة”، وهو المصطلح الذي لم أكن أعرف معناه. بعد شرح الدكتور، تبين أن البروليتاريا الرثة هم الطبقة المسحوقة من الفلاحين، عمال اليومية، والفقراء بشكل عام. توجهنا إلى لوكندة شعبية، حيث جلسنا وسط الحضور من المخزنين والمدخنين، وبدأ الدكتور بتعريف نفسه ثم تحدث عن الأوضاع السياسية وسط أجواء مفعمة بالدخان والضجيج. في البداية كان الإقبال ضعيفًا، وغادرنا جميعًا بحالة من الإحباط بسبب ما أسماه الدكتور “الغوغائية والسلبية لدى البروليتاريا الرثة”. لكن بعد إعلان الدكتور في الجامعة عن استمرار المحاضرات في نفس اللوكاندة، بدأ عدد الشباب بالتوافد، وانتشرت الأخبار عبر الصحف، مما أدى إلى تدفق أعداد كبيرة من الناس، حتى أصبح من الصعب إيجاد مكان للجلوس. كان الدكتور يخرج سعيدًا من هذه اللقاءات ويقول: “الشعب بدأ يعي، هؤلاء سأصنع بهم ثورة بعد سنوات”.

الصراعات والمعوقات في رحلة تثقيف البروليتاريا الرثة

تعرفت على صاحب اللوكاندة الذي كان يدعمني بالقات والماء والبيبسي. وبعد فترة أعلن الدكتور نقل نشاطه إلى لوكندة أخرى لتوسيع دائرة التوعية. فوجئت بزيارة صاحب اللوكاندة الأولى وهو في حالة من التوتر الشديد، يقول لي: “الدكتور خرب بيتي، اللوكاندة ما عاد فيها من يوحد الله”، محذرًا من أن نشاط الدكتور أثر على العمل التجاري بشدة. دفعني المبلغ الذي أعطاني إياه لمحاولة إقناع الدكتور بالعودة، لكن الدكتور رفض قائلًا: “صاحب اللوكاندة يشتي يشتغل ويكسب وبس، هذا شخص برجوازي انتهازي”. بعد عدة أيام، كشف لي صاحب اللوكاندة حقيقة صادمة: أغلب الحضور ليسوا من الشعب، بل تابعين للأمن السياسي والمخابرات، وأشخاص من جهات وسفارات ينقلون ما يقول الدكتور. طلب مني ألا أخبر الدكتور لهذه الحقيقة حتى لا يفقد حماسه. وبعد أن تأكد الدكتور من الأمر، أصابه الصدمة وترك العمل مع الجماهير، متخليًا عن مهمة تثقيف البروليتاريا الرثة.

• شغف الصحافة والفرح بنشر أول قصة
• مفهوم “تثقيف البروليتاريا الرثة” وتحدياته
• تأثير السياسة والتضليل الأمني على نشاط التوعية الشعبية

تلك التجربة التي جمعت بين الحماسة الصحفية والتحديات السياسية والاجتماعية بقيت محفورة في ذهني، وأكدت لي أن تحفيز وعي الطبقات المهمشة يتطلب أكثر من مجرد محاضرات، خاصة في ظل التضليل والمصالح الشخصية التي قد توجه النشاطات الشعبية نحو الأهداف الأخرى. رحلة “تثقيف البروليتاريا الرثة” تظل درسًا عميقًا في فهم نفوس الناس، الصراعات الخفية، وأهمية الصدق في الرسالة الإعلامية والسياسية.