«تجارة مربحة» تجارة الكابة في الجزائر كيف يشرّع النظام لكنها تغلق الباب أمام العملة الصعبة

المرسوم 25-170 وشرعنة التهريب في الجزائر يمثلان نقطة انعطاف غريبة في السياسات الاقتصادية؛ إذ أطلق هذا المرسوم حقبة «المهرب المعتمد» التي قد تبدو في ظاهرها خطوة لتحرير الاستيراد الصغير، إلا أنها فعليًا شرعت نشاط التهريب بطريقة غير مسبوقة، ما أدى إلى تداعيات معقدة على الاقتصاد الجزائري وعلى قيمة الدينار وسوق العملة الصعبة بصورة عامة.

المرسوم 25-170 وتداعيات شرعنة التهريب على الاقتصاد الجزائري

في خطوة غير مألوفة، أتاح المرسوم رقم 25-170 للشباب الحاملين لصفة «مقاول ذاتي» استيراد سلع بقيمة تصل إلى 12 ألف يورو كل 15 يومًا، ما يعني إمكانية استيراد سلع بقيمة 24 ألف يورو شهريًا، وتم استقبال هذا المرسوم بحفاوة في الأحياء التجارية رغم الإشكالات القانونية والاقتصادية الكبيرة التي يحملها، حيث تم اعتبار الشرعية المؤقتة للسوق السوداء القائمة على «السكوار» التي لم تعترف بها القوانين سابقًا، ويطرح هذا تناقضًا صريحًا مع قانون النقد والقرض الذي لا يعترف بهذه السوق، ما يفتح الباب لتبييض الأموال وسلسلة من الممارسات شديدة الخطورة.

المرسوم 25-170 يفتح الباب أمام تناقضات تدمّر العملة الوطنية

على الرغم من السماح النظري باستيراد قيم عالية من السلع تصل إلى 24 ألف يورو شهريًا، إلا أن المذكرة 24-05 لبنك الجزائر تمنع إخراج أكثر من 7500 يورو سنويًا من البلاد، مما يعكس خللًا تشريعيًا وإداريًا واضحًا يجبر المستوردين على اللجوء إلى السوق الموازية للاستحصال على العملة الصعبة بالسعر الأعلى بكثير، إذ وصل سعر اليورو في السوق غير الرسمية إلى 265 دينار مقارنة بالسعر الرسمي 152 دينار، وهذا التناقض أدّى إلى تقنين جزئي للتجارة الموازية، لكنه يفاقم انهيار العملة الوطنية ويُعزز من ظاهرة الاقتصاد الموازي والجريمة المنظمة التي يُفترض النظام محاربتها.

العنوان التفاصيل
قيمة الاستيراد المسموح بها 24 ألف يورو شهريًا
السقف المسموح به لإخراج العملة 7500 يورو سنويًا
سعر اليورو الرسمي 152 دينار جزائري
سعر اليورو في السوق الموازية 265 دينار جزائري

المرسوم 25-170 وتأثيره على الشرعية الاقتصادية وسوق العملة الصعبة

يشترط المرسوم على المستوردين الذاتيين أن يكونوا في وضعية عاطلين رسميًا وليسوا موظفين أو تجارًا أو مستفيدين من إعانات اجتماعية، وهو شرط يبدو بعيد المنال عندما نعلم أن من يملك 12 ألف يورو نقدًا مرتين في الشهر يُفترض أن يكون مصدر أمواله موضع تساؤل، ما يبرهن أن هذا القانون لا ينظم الاستيراد وإنما يشرّع عمليات واسعة لتبييض الأموال، بالإضافة إلى تمكين شبكات الاقتصاد الموازي، ومن جهة أخرى، يؤدي ذلك إلى مشاكل اقتصادية أكبر تتمثل في ارتفاع طلب العملة الصعبة وانهيار قيمة الدينار بشكل متسارع، ما يجعل حياة الجزائريين العاديين ممن يعتمدون على العملة المحلية أكثر صعوبة، خصوصًا الطلبة والمرضى والعائلات في الخارج.

  • السماح باستيراد سلع بقيمة 24 ألف يورو شهريًا للمقاول الذاتي
  • منع إخراج أكثر من 7500 يورو سنويًا لأي جزائري
  • الاعتراف الواقعي بالسوق السوداء للعملة الصعبة دون توضيح مصدر الأموال
  • تبييض الأموال تحت غطاء التجارة الصغيرة عبر الحدود
  • تدهور مستمر لقيمة الدينار الجزائري أمام اليورو والدولار

يبدو أن هذا المرسوم وضع نظام الجزائر أمام مأزق كبير بين الانفتاح الجزئي الذي يمنحه للشباب لفتح حسابات بالعملة الصعبة عبر مصادر مشبوهة، وبين التشريعات المالية الرسمية التي لا تزال ترفض أي معاملات من خارج القنوات البنكية، وهذا يؤدي إلى تضخيم سوق العملة الموازية وتعميق أزمة العملة الوطنية التي تشهد انهيارًا تاريخيًا، حيث من المتوقع بل تجاوز سعر صرف اليورو حاجز 300 دينار.

المرسوم 25-170 يكشف بوضوح التحديات التي تواجه النظام الاقتصادي الجزائري، بين محاولة التوسيع الاقتصادي والتقنين الجزئي لظواهر مخالفة للقانون، وبين فقدان السيطرة على سوق العملة والتهريب، مما يحول دون تحقيق استقرار نقدي حقيقي، في ظل استمرار اعتماد الاقتصاد على السوق الموازية بعيدًا عن الشفافية والضوابط الرسمية.

لا تستطيع السياسات الاقتصادية المتسرعة والمبنية على حلول مؤقتة أن تقي الجزائر من تراكم الأزمات التي تعاني منها، إذ يعكس مرسوم 25-170 مدى ابتعاد الخطى عن المعالجة الفعلية للاقتصاد الوطني وحالة الدينار المتدهورة التي تُثقل كاهل المواطن.