«توحيد الكلمة» مقصد الوحدة رؤية تأصيلية توضح سر قوة كلمة التوحيد

كلمة التوحيد تقود إلى توحيد الكلمة حينما تتجلى في بناء ملة وأمة ودولة تجمع بين هدف واحد وطاقات بشرية وإمكانات مادية مشتركة مما يعكس تناغم الفكرة والممارسة، والدليل على ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} والآيات القرآنية تعبر عن مدى ترابط كلمة التوحيد مع وحدة الأمة إذ لا يمكن لتوحيد الله أن يتحقق إلا عبر توحيد الكلمة والقلب والجسد معًا.

الكلمة المفتاحية: كلمة التوحيد تقود إلى توحيد الكلمة بوصفها الأساس القرآني

الآيتان الكريمتان في سورة الأنبياء وسورة المؤمنون تصوّران لنا واقعًا محكمًا بين الكلمة وتوحيد الأمة إذ تبيّن الأولى وحدة الكلمة بقوله تعالى (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) وتشير الثانية إلى كلمة التوحيد بأنواعها وأدوارها (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)، وهذا الترابط يشير إلى أن الله تعالى يعلّم أن العبودية له هي سبيل تعاضد النفوس وأساس الوحدة المؤكدة، وهذا ما يعزز أهمية كلمة التوحيد في تحقيق التوحد الشامل للأمة بجميع أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

إن تقديم وحدة الأمة على كلمة التوحيد في الآيات يوضح حكمة ربانية بحيث أن وحدة الأمة هي الأساس الذي يُبنى عليه عمل التوحيد، والعكس قد يؤدي إلى التفرقة وشرذمة المجتمع، ولذا نجد أن العبودية لله تعالى تثمر خيرًا للمخلوق لا للخالق كما ورد في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ) فالعبودية هي باب النفع والخير بيد المخلوقين وليس من أجل نفع الخالق.

كلمة التوحيد تقود إلى توحيد الكلمة ودور الوحدة في بناء الحضارات وتنمية الأمم

تأتي وحدة الأمة كوحدة سياسية واجتماعية وثقافية قبل أن تتحقق التنمية والنهضة الحقيقية، فتوحيد الكلمة لا يقتصر على مجال ديني فحسب بل يرتبط ببناء دولة متماسكة وطاقة بشرية مبدعة تساند المشروعات الحضارية وتنمي الإمكانات المادية مما يؤدي إلى تطوير المجتمع والأمة والارتقاء بها، نحو مجتمع موحد الهدف والمعنى والطاقات، وهذا ما أثبته القرآن في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ}، فتوحيد الكلمة يعتمد على الإيمان والعمل معًا.

كما أن فهم الصراط المستقيم يعكس هدف النعمة الشاملة في الدنيا والآخرة، ولا يمكن تحقيق هذه النعمة إلا بإقامة الوحدة فعليًا والتعاون على البر والتقوى، لأن الفرقة تسبب النزاعات التي تنهك الجهود وتضعف الأمة، لهذا فإن كلمة التوحيد تقود إلى توحيد الكلمة كمنهج شامل يعبر عن الرحمة الإلهية ويرسخ أواصر المحبة والإخاء بين أفراد المجتمع وقواده.

  • الحفاظ على وحدة الأمة كأولوية أولى
  • التأكيد على عبودية الله وحيدة لا شريك له
  • تعزيز مفهوم الصراط المستقيم للوصول إلى النعمة
  • تنمية الطاقات البشرية بوصفها جوهر النهضة
  • التنسيق في الإمكانات المادية لتحقيق البناء الحضاري

رسل الله ووحدتهم من خلال كلمة التوحيد تقود إلى توحيد الكلمة وتعزيز النهضة الحضارية

رسل الله عبر العصور دمجوا في دعوتهم مفهومي التوحيد والوحدة باعتبارهما ركائز أساسية لنجاح النهضة الإنسانية والحضارية، وما أكدته الآيات: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} يبرز ذلك الدور الجوهري الذي يقوم به توحيد الكلمة في خلق مجتمع متماسك قادر على مواجهة تحديات النهضة والبناء والتطوير.

إن تاريخ الأمم والحضارات يزخر بأمثلة متعددة على ضرورة وحدة الكلمة في مواجهة الأزمات وتنفيذ المشروعات التنموية، وهذا يتجلى في تكامل العقل الجمعي وإرادة الأمة وعمليات العمل النافع، وكل هذه العناصر تنبع من كلمة التوحيد؛ فهي تحمل في طياتها مبررات العقل ودوافع القلب وحركة اليد، وهذا التفاعل هو الذي يصنع الفرق بين نهضة الأمة وسقوطها.

العنصر دوره في وحدة الأمة
العقل الجمعي (العلم) وضع الخطط والرؤى الحضارية
الإرادة الجمعية (الإيمان) توحيد النفوس وإحكام العزم والالتزام
العمل الصالح تنفيذ المشاريع التنموية والخدمية
الطاقات البشرية تفعيل القدرات الفردية والجماعية لصالح الوطن
الإمكانات المادية توفير الدعم المالي والموارد اللازمة للبناء

كل المشاريع النهضوية الحضارية التي أقامها الأنبياء عبر التاريخ تمحورت حول فكرة أن كلمة التوحيد تقود إلى توحيد الكلمة عبر بناء الأمة وتنمية مجتمعاتها، فالنتيجة الطبيعية هي أن الانحراف عن هذه الحقيقة يؤدي إلى الفوضى والضعف وغياب النماء، وهذا ما نراه ماثلاً في الأمم التي انقسمت وتفرقت، بينما الوحي قرن النعمة بالوحدة والفرقة بالنقمة مما يجعل وحدة الكلمة تبدأ من كلمة التوحيد وتتوسع لتشمل كل نواحي الحياة.

يتضح من ذلك بجلاء أن كلمة التوحيد تقود إلى توحيد الكلمة بوعي ديني وحضاري يحقق التكامل بين المجتمع وقياداته، ويؤسس لمنصة قوية ترفع الأمة إلى مدارج النهضة الحقيقية تمضي بمقتضاها قلوب الجميع نحو غاية واحدة وأمل مشترك يعبره العلم والعمل والإيمان.