أوروبا تواجه التحديات بثبات اقتصادي فهل يستمر هذا التماسك

اقتصادات أوروبا تُظهر صمودًا قويًا في وجه التحديات الاقتصادية، وهو ما بدا واضحًا في تسجيل معدلات بطالة منخفضة واقتراب التضخم من مستوياته المثالية، كما أن النظام المالي بالقارة يبدو مستقرًا نسبيًا، ولكن بالرغم من هذا، لا تزال هناك صعوبات تضغط على صناع القرار، مثل التوترات الجيوسياسية وتصاعد التحديات في مجال التجارة والطاقة، مما يجعل التوازن بين الاستدامة المالية والنمو ترفًا لا يمكن التهاون بشأنه.

أولى التحديات: التضخم ومخاطر الجيوسياسة

أحد المعوقات الرئيسية التي تواجهها اقتصادات أوروبا اليوم هو التضخم، فرغم أن مؤشراته تقترب من الهدف المرغوب وهو 2% نتيجة انخفاض أسعار الطاقة والعديد من السلع الأساسية، إلا أن التباطؤ الاقتصادي وضعف النمو قد يُبطئ من زخم التحسن، وفي الوقت ذاته، تبقى التوترات الجيوسياسية عاملًا معززًا لاحتمالات عودة الضغوط التضخمية، خصوصًا إذا اقترنت بتزايد الإنفاق العام وارتفاع الرسوم الجمركية.

السياسات الاقتصادية الأوروبية يجب أن تراعي هذه الديناميكيات المعقدة، مع بناء خطط شاملة تساعد على امتصاص الصدمات وتعزيز المرونة، خصوصًا أن تلك التحديات تُثقل من كاهل الطلب المحلي والصادرات، مما يجعل تحقيق نمو مستقر عملية أكثر تعقيدًا.

ضعف الإنتاجية والشيخوخة السكانية تهددان المستقبل

على المدى المتوسط، تواجه أوروبا عقبات كبيرة تشكلها القيود الهيكلية، أبرزها الشيخوخة السكانية والتي تقلل من حجم القوى العاملة المتاحة، إلى جانب التباطؤ في نمو الإنتاجية، ولا يتوقف الأمر هنا فحسب، بل إن نقص المهارات المطلوبة في العديد من القطاعات يزيد من تعقيد المشكلة، هنا يصبح الابتكار وتقديم حلول لرفع كفاءة الموارد البشرية أولوية لا غنى عنها.

وفي ظل هذه التحديات، تحتاج القارة إلى استراتيجية متكاملة تجمع بين السياسات الوطنية والإصلاحات الإقليمية، صندوق النقد الدولي نفسه أوصى بعدة أولويات لتحقيق هذا الهدف، منها تسريع اتحاد أسواق رأس المال، وتعزيز التنقل العمالي لتضييق الهوة بين العرض والطلب على المهارات، وتحقيق تكامل سوق الطاقة بما يدعم توفير موارد طاقة مستدامة ومستقرة.

تعزيز سوق الاستثمار والطاقة: محور التنمية المقبل

إن تحقيق طفرة في السوق الأوروبية يتطلب خفض التجزؤ التنظيمي عبر نظام “الدولة الثامنة والعشرين”، الذي يوفر إطارًا موحدًا لتأسيس وتشغيل الشركات، مع تأمين بيئة استثمارية جاذبة للمخاطر المدروسة، كما أن تطوير اتحاد البنوك وإتمام مشاريع سوق الطاقة قد يرفع الناتج المحتمل بنسبة تصل إلى 3% خلال العقد المقبل.

ولعلنا بحاجة إلى التوقف عند “اليورو الرقمي”، إذ يعتبره الصندوق إحدى الأدوات القوية لتعزيز التكامل المالي داخل السوق الأوروبية، فهو يُقلل التكاليف ويحسّن كفاءة المدفوعات، إلا أن هذا وحده لا يكفي، إذ يجب أن تصاحبه إصلاحات في القطاعات الضريبية وسوق العمل لضمان استدامة التأثير الإيجابي على الإنتاجية والنمو.

  • خفض التجزؤ التنظيمي وتعزيز الاستثمارات المبتكرة.
  • تسريع اتحاد أسواق رأس المال وتحقيق التكامل البنكي.
  • تنشيط سوق الطاقة لضمان موارد أرخص وأكثر أمانًا.
  • تعزيز المهارات عبر التنقل العمالي الأوروبي المدروس.

سياسات مالية متوازنة لضمان الاستقرار

من ناحية أخرى، تختلف الاحتياجات المالية من دولة لأخرى داخل منطقة اليورو، فالدول ذات المديونية المرتفعة عليها التركيز على ضبط الميزانية، بينما الدول ذات الهوامش الأوسع يمكنها اعتماد مرونة أكبر في الإنفاق، الصندوق أوصى بتحقيق فائض مالي أولي هيكلي قدره 1.4% بحلول عام 2030 لدول المنطقة، وذلك بهدف مواجهة ضغوط النفقات المتزايدة مثل تكاليف الفائدة وتحول الطاقة.

إليك أحد أبرز التحديات بالأرقام:

المؤشر العام 2025 العام 2050
ضغوط الإنفاق السنوية (كنسبة من الناتج المحلي) 4.4% تقديرات مرتفعة
النمو المتوقع في منطقة اليورو 0.8%

ولمواجهة تلك التحديات، الصندوق يرى أن الاستثمارات المشتركة بين الدول الأوروبية والتناغم في تمويل مشاريع الطاقة النظيفة، سيكون لهما الأثر الأكبر في تخفيف الأعباء الاقتصادية، مع دعوات لزيادة موازنة الاتحاد الأوروبي بنسبة تصل إلى 50%.

ما تحتاجه المنطقة الأوروبية الآن هو تحول جذري في طريقة تعاملها مع الاقتصاد، ليس فقط على مستوى السياسات العامة ولكن أيضًا على مستوى تطبيق مبادرات قابلة للتنفيذ تعزز الاستدامة وتخلق بيئة اقتصادية متجددة وقابلة للنمو.