تحذير بلومبيرغ من أزمة مالية تهدد الاقتصاد الأميركي بسبب سياسات ترامب

الدولار كعملة عالمية، يشكّل ركيزة أساسية للنظام المالي العالمي، لكن يبدو أن الأوضاع المحيطة به ليست في أفضل حالاتها. فقد أشار تقرير لوكالة بلومبيرغ إلى أن الدولار الأميركي يعاني انخفاضًا حادًا في قيمته، ما يعكس آثارًا مقلقة للسياسات التي تبنّتها إدارة ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض. الأخطر أن هذا الانخفاض يطرح العديد من التساؤلات بشأن قدرة الولايات المتحدة على تمويل ديونها المتزايدة.

تراجع الدولار أمام العملات الرئيسية

مع العودة للرئاسة، عانى الدولار من انخفاض بأكثر من 10% أمام العملات العالمية الكبرى كاليورو والجنيه الإسترليني، وفق تحليل بلومبيرغ. هذه النسبة مثيرة للقلق كونها الأكبر منذ الأزمة المالية لعام 2010، لكنها لا تعود لتحفيز نقدي أو طباعة أموال كما كان في السابق، بل نتيجة سلسلة قرارات اقتصادية مثيرة للجدل. نتحدث هنا عن زيادة الرسوم الجمركية، تخفيضات ضريبية غير مُمولة، وضغوط على الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفوائد، بجانب تكتيكات عدوانية على المستوى القانوني والسياسي.

ما يدعو للتساؤل هو تجاهل إدارة ترامب للهبوط الحاد في قيمة الدولار، بل إن البعض يعتقد أن هناك رغبة ضمنية لدى الإدارة في ضعف الدولار لتعزيز تنافسية الصناعة الأميركية. شهدت الأسواق مواقف غريبة، مثل حادثة مايو الماضي حين انخفض الدولار أمام الدولار التايواني خلال ساعة واحدة بنسبة 4% وسط شائعات بأن سعر الصرف يُستخدم كورقة ضغط تجارية.

هل الولايات المتحدة في أزمة تمويل؟

تعتمد الولايات المتحدة بشكل هائل على التمويل الخارجي، حيث تحتاج إلى أكثر من 4 تريليونات دولار سنويًا لتمويل العجز. ومع الانخفاض المستمر لقيمة الدولار، يرتفع العبء المالي على المستثمرين الأجانب عند تحويل أموالهم إلى عملاتهم الأصلية. هذا الأمر قد يدفعهم لسحب استثماراتهم، مما يصعّب عملية الاقتراض ويترك الاقتصاد في حلقة مفرغة خطرة. خبراء ماليون، كستيفن ميلر، حذروا من أن هذه السياسات قد تفقد السيادة على الاقتصاد، خصوصًا إذا قرر المستثمرون الأجانب البحث عن بدائل.

الذهب يستعيد مكانته أمام هيمنة الدولار

بالتزامن مع مخاوف الأسواق، يلاحظ تصاعد الاهتمام بالذهب كملاذ آمن، حيث ارتفعت أسعاره هذا العام. يرى محللون أن ارتفاع الفوائد الأميركية لا يحل الأزمة بل يزيد من تعقيدها، إذ يُفاقم مشكلة العجز المالي. حتى صناديق التحوط الكبرى باتت تتوقع استمرار تراجع الدولار بنسبة تصل إلى 10% إضافية خلال الأشهر المقبلة. بيانات هيئة تداول السلع كشفت عن زيادة ضخمة في مراكز المراهنات ضد الدولار، والتي بلغت أرقامًا غير مسبوقة.

الأرقام الصادمة للعجز والدين الأميركي

إحدى المشكلات العويصة التي تلوح بالأفق هي الحجم الهائل للعجز والدين العام في الولايات المتحدة. وفق توقعات مؤسسة الميزانية الأميركية، فإن خطة ترامب الضريبية تضيف 3 تريليونات دولار للعجز في العقد المقبل. لكن حتى بدونها، يبقى توجه الأرقام غير مطمئن:

• العجز الفدرالي تجاوز 6% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأعلى في فترات السلم.
• الدين العام قفز إلى 29 تريليون دولار، أي ما يعادل تقريبًا 100% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ72% قبل عشر سنوات.
• الولايات المتحدة فقدت تصنيفها الائتماني الممتاز مؤخرًا، ما ينعكس سلبًا على تكاليف الاقتراض.

والأمر لا يتوقف هنا، فالسياسات التي وصفتها بلومبيرغ بـ”الانتقامية” تضيف مزيدًا من الضغط. بند الضرائب الجديد الذي يستهدف المستثمرين الأجانب زاد المخاوف بأن الإدارة الحالية لا تلقي بالا لثقة السوق الدولي.

هل تنفك العلاقة بين الدولار وسندات الخزانة؟

عبر التاريخ، ارتبط الدولار وسندات الخزانة بعلاقة طردية متينة؛ إذ إن ارتفاع العائد يجذب المستثمرين ويدعم قيمة الدولار. لكن الوضع بدأ يشهد تفككًا غير مسبوق لهذه العلاقة، حيث تراجع الدولار رغم ارتفاع العائدات، ما يشير إلى أن المستثمرين أصبحوا يتجنبون السندات الأميركية والدولار في آن واحد. الخبراء وصفوا الوضع بأنه يشكل نوعًا من الدوامة السلبية التي تدفعنا للتساؤل عن مستقبل الدولار في ظل هذه الظروف الصعبة.

في ظل هذه التحديات، يبدو المشهد معقدًا للغاية. ورغم امتلاك الولايات المتحدة أدوات قوية لتخفيف الصدمات، فإن الحفاظ على المكانة المرموقة للدولار يعتمد أكثر من أي وقت مضى على قرارات ذكية وشراكة وثيقة مع مستثمري العالم. النهاية مفتوحة، لكن الزمن وحده سيحسم اتجاه الرياح الاقتصادية.