هل حان وقت التغيير في السياسات النقدية وهل اقترب عصر ما بعد الدولار

تحدثت تقارير حديثة عن التغييرات التي تشهدها الاحتياطات العالمية للبنوك المركزية، حيث يبدو أن توجه البنوك نحو تعزيز حيازاتها من الذهب بات واضحًا أكثر من أي وقت مضى، وترافق ذلك مع تراجع الثقة تدريجيًا بالدولار الأمريكي كاحتياطي نقدي رئيسي بسبب التوترات الجيوسياسية والتحديات الاقتصادية المستمرة. هذا الاتجاه يُثير تساؤلات حول مستقبل النظام المالي العالمي، وعما إذا كنا نقف على أعتاب “عصر ما بعد الدولار”.

أسباب اتجاه البنوك المركزية لزيادة احتياطيات الذهب

مع تزايد الأزمات الاقتصادية العالمية، أصبح الذهب الملاذ الآمن المفضل للبنوك المركزية وفقًا لمجلس الذهب العالمي. فخصائص الذهب الاستثنائية، مثل قدرته على الحفاظ على القيمة خلال الأزمات العالمية، وفعاليته في تنويع المحافظ الاحتياطية، جعلاه من الأصول الرئيسة التي تلجأ إليها المؤسسات المالية. خلال السنوات الثلاث الماضية، ارتفعت مشتريات البنوك المركزية من الذهب إلى مستويات غير مسبوقة، متجاوزة ألف طن سنويًا.

الارتفاع القياسي في أسعار الذهب زاد أيضًا من جاذبيته في الأسواق، إذ وصل سعر الأونصة الذهبية إلى مستوى تاريخي بلغ 3,500.05 دولار. هذا الأداء اللافت يؤكد دوره الفعال كواحد من أفضل الأصول في التحوط من التضخم، خاصة مع ارتفاع الضغوط التضخمية التي شهدها العالم منذ الحرب الروسية الأوكرانية وحتى يومنا هذا.

تحول ملحوظ في استراتيجية الاحتياطيات بالدولار

نتائج استطلاع مجلس الذهب العالمي لعام 2025 أوضحت تحولًا استراتيجيًا لدى معظم البنوك المركزية. إذ توقع 75% من المشاركين انخفاض دور الدولار الأمريكي كنسبة من إجمالي الاحتياطيات خلال السنوات المقبلة. هذا التراجع يعكس رغبة واضحة لدى العديد من الدول لتنويع أصولها، لتقليل الاعتماد على الدولار والتخفيف من مخاطر التغيرات المرتبطة بالسياسات النقدية الأمريكية.

هذا التوجه لم يكن مفاجئًا تمامًا، إذ أظهرت النتائج المسجلة في العام الذي قبله مؤشرات مماثلة، ولكن الجديد هو السرعة المتزايدة لهذا التحول. يبدو أن الاحتكاكات التجارية والنزاعات الاقتصادية، تزامنًا مع التوترات الجيوسياسية، هي عوامل رئيسية تدفع في هذا الاتجاه.

  • تنويع الأصول الاحتياطية: تقليل مخاطر الاعتماد المفرط على عملة واحدة.
  • تأثير الأزمات الجيوسياسية: تغييرات في العلاقات الدولية زادت التوجه نحو الذهب كملاذ آمن.
  • الضغوط التضخمية: أدت إلى تعزيز الاهتمام بالمعدن الأصفر كوسيلة لحماية القيمة.

تفاوت كبير بين الأسواق الناشئة والمتقدمة

النظرة إلى الاحتياطيات تختلف بشكل كبير بين البنوك المركزية في الأسواق الناشئة وتلك في الاقتصادات المتقدمة، حسب تقرير مجلس الذهب العالمي. بينما أفادت 69% من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة أن النزاعات الاقتصادية والتجارية تؤثر بشكل كبير على قرارات إدارة الاحتياطيات، كانت النسبة في الدول المتقدمة أقل بكثير، حيث بلغت 40% فقط.

هذا التفاوت نابع من حاجة الأسواق الناشئة إلى حماية اقتصاداتها من التبعات المحتملة للأزمات العالمية، مما يفسر استمرارها في الاعتماد على الذهب كـ”شبكة أمان”. الجدول أدناه يوضح مقارنة بين أسباب توجه البنوك المركزية لتعزيز حيازاتها من الذهب في الأسواق الناشئة والمتقدمة.

العامل المؤثر الأسواق الناشئة الاقتصادات المتقدمة
التوترات الاقتصادية 69% 40%
التحوط من التضخم 85% 57%
تأثير الدولار 73% 45%

هذا الاتجاه يعكس القلق المتزايد بشأن استقرار الاقتصاد العالمي بشكل عام، ودور الذهب المحوري في تقديم الأمان.

من الواضح أن التحولات التي تشهدها احتياطات البنوك المركزية تعكس رغبة عالمية في إعادة ترتيب قواعد اللعبة الاقتصادية، فهي ليست فقط مجرد استراتيجيات للتكيف مع الأزمات، ولكنها تحمل دلالات أعمق حول النظام المالي العالمي. مع استمرار هذه الديناميكيات، سيظل الذهب حاضرًا بقوة في معادلة المستقبل، ما يثير احتمال حدوث تغييرات جوهرية في دور العملات التقليدية مثل الدولار. لذا، يبدو أن عصرًا جديدًا يلوح في الأفق، عصر تبرز فيه قواعد مختلفة لإدارة الاقتصاد العالمي.