«أسرار مثيرة» القبيلة والمدنية كيف يتشكل المشهد اليمني الآن

القبيلة ودورها في بناء الدولة: رؤية موضوعية ودروس مستفادة

تعتبر القبيلة جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الإنسانية، ولها جذور ضاربة في عمق التاريخ، بدءًا من المجتمعات البسيطة التي كانت تشكل أساس الحضارات الأولى، وصولًا إلى اليوم حيث يتجدد الحوار بشأن القبيلة ورموزها، وبينما يرى البعض أن القبائل تعيق بناء الدولة، فإن الحقيقة أكثر تعقيدًا، فالقبيلة ليست نقيضًا للدولة، بل كانت في حالات كثيرة جسرًا نحو بناء أنظمة مدنية متقدمة، واستعراض الأدوار التي لعبتها القبائل ورموزها يعطينا نظرة أكثر توازنًا.

القبيلة في التاريخ الإنساني كعامل بناء لا هدم

القبيلة كانت، وما زالت، اللبنة الأولى التي قامت عليها المجتمعات البشرية، فمثلاً في أوروبا نجد أن الألمان هم تطور حضاري لقبائل الجرمان، وكذلك فرنسا انبثقت من قبائل الوندال والبريطان من السكسون، والعالم العربي، بما في ذلك اليمن، ليس استثناءً، فالقبيلة هناك كانت وماتزال أحد مكونات المجتمع الأساسية، وتصوّرها بأنها معيقة للتغيير هو قراءة سطحية للتاريخ. فالقبيلة، منذ الأزل، ساندت المجتمعات ككيان تنظيمي واجتماعي ساهم في تشكيل الأنظمة المجتمعية ووضع الأسس للتضامن الداخلي.

القبيلة في اليمن: امتداد للتاريخ والحضارة

في اليمن، تمثل القبيلة امتدادًا لحضارة طويلة الأمد، حيث كانت القبائل جزءًا من النظام الاجتماعي للدولة، من خلال "الأقيالية" و"الأذوائية"، وهو ما يشير إلى وجود نظم شبه مؤسسية تدار بواسطة رموز قبلية وبحكماء وشيوخ ساهموا في استقرار المجتمع اليمني وتطوره التاريخي، وقد قدمت القبائل اليمنية وثيقة حية لنضالات وحضارات بعيدة المدى، ولعل أروع الأمثلة على الدور الإيجابي للقبيلة هو مقاومة بعض الرموز القبلية مثل القردعي الحوثيين في وجه الفوضى والحروب، بالإضافة إلى شيوخ الحجرية من آل نعمان الذين كانوا حتى وقت قريب مثالاً حيًا للتوازن بين القبيلة والقيم المدنية.

القبيلة والدولة: شراكة وليست خصومة

كل مجتمع في العالم شهد حالة من التفاعل بين القبيلة والدولة الحديثة، ففي منطقة الخليج، نجحت القبائل وشيوخها في أن تصبح دعامة لصمود الدولة المدنية الحديثة، بل ودولة رقمية متقدمة في بعض المناطق، وتجربة اليمن تثبت أن المشايخ ورموزهم ليسوا مجرد أسماء تقود كيانات مغلقة، بل يمكنهم أن يكونوا فاعلين في بناء الدول وإعلاء القيم الوطنية، هذا لا يعني أن جميع رموز القبائل كانوا مثاليين، ولكن الأكيد أن المساهمة الإيجابية تفوق الحالات المعاكسة، فحتى مع وجود تمرد بعض الجماعات، يظل الحوار مع النخب القبلية إحدى الوسائل الفعالة نحو تحقيق الاستقرار وضمان تغليب مصالح الدولة العليا.

أمثلة لنماذج مشيخية ناجحة

الأدوار الإيجابية للقبائل تظهر بوضوح حين نقوم بمراجعة أمثلة حاضرة ومحددة:

  • مواقف مشاهير القبائل في مواجهة التحديات الوطنية للحفاظ على وحدة اليمن.
  • شيوخ آل عواضي ودورهم في مقاومة الاحتلال ومساهمتهم في بناء اليمن الحديث.
  • نماذج القبائل التي ساهمت في تسليم الدولة سلطات قانونية والمشاركة في العمليات السياسية المعقدة.

بين رؤية المثقفين والسيرورة التاريخية للقبيلة

المجتمع دور القبيلة أمثلة من التاريخ
اليمن حفظ السلم الداخلي والمساعدة في الحكم القردعي مثلًا وآل نعمان
الخليج العربي تأسيس دول رقمية ومدنية عصرية شيوخ الكويت والإمارات
أوروبا خلال العصور الوسطى تأسيس دول كبرى وتحقيق الوحدة الجرمان والسكسون

لا يمكن اختزال القبيلة في صورتها النمطية السلبية، بل إنها تحمل إرثًا ثقافيًا وإنسانيًا ملهمًا يمكن تسخيره لمصلحة بناء الدولة وتحقيق الانسجام بين مختلف الفئات، وبالتالي تكون القبيلة رافدًا لا عقبة أمام التقدم والتطور، الأمر يتعلق بكيفية إدارة العلاقة ما بين الدولة والقبيلة، إذ إن إدارة العلاقة باحترام وحنكة تقود إلى شراكة منسجمة ورؤية موحدة نحو المصالح المشتركة والتطلعات العليا.