لغز الاعتدال.. هل يقوم أحمد الشرع بإعادة صياغة الجهاد بواجهة تكنوقراطية؟

تحمل التطورات الأخيرة في المشهد السوري تغيرات مهمة مع ظهور دور بارز لـ “هيئة تحرير الشام” (HTS) التي شكلت “حكومة الإنقاذ السورية”، مما يعكس محاولات إعادة تشكيل النظام السوري تحت زعامة أحمد الشرع. يطرح هذا التغير العديد من التساؤلات حول مستقبل البلاد وسط تصاعد التطرف الديني والإجراءات القمعية التي تمارسها الهيئة من جهة، ومحاولتها إبراز صورة معتدلة دولياً من جهة أخرى.

سيطرة هيئة تحرير الشام على سوريا

تعد “هيئة تحرير الشام” الجهة الحاكمة الرئيسية في مناطق شمال سوريا، حيث تبنت أسلوبًا مغايرًا عما كان متبعًا من قبل التنظيمات المتطرفة الأخرى. أظهرت الدراسات أن الهيئة أنشأت “حكومة الإنقاذ السورية” كوسيلة للحكم الإداري والتكنوقراطي، مع تفويض إدارة القضايا غير العسكرية للقيادات المجتمعية. رغم ذلك، تظهر دلائل واضحة على ممارسة الهيئة نفوذًا حقيقيًا في جميع القرارات الحساسة من وراء الستار. يشير هذا الأسلوب إلى مزيج من المركزية المطلقة والتظاهر بالحوكمة الديمقراطية، مما يثير الشكوك حول نيات الهيئة.

كيف غطت حكومة الإنقاذ السورية أهدافها؟

بحسب الدراسات، تركز “حكومة الإنقاذ السورية” على تقديم خدمات أساسية مثل التعليم، البنية التحتية، والرعاية الصحية كمحاولة للشرعية المحلية. أصبح توفير الخدمات وسيلة لكسب الدعم الشعبي، ما انعكس في استقرار المناطق الخاضعة لإدارة الهيئة، بخاصة في إدلب، حيث نجحت في جذب النخب المحلية للمشاركة في الهيكل الإداري. رغم تلك الجهود، فإن ممارسة عمليات قمع داخلية وارتكاب انتهاكات مستمرة ضد المعارضين تبرز الطابع السلطوي لهذه الإدارة، والذي يضعها في تناقض مع دعاواها للاعتدال السياسي والديني.

دور أحمد الشرع في تعقيد المشهد

يُعد أحمد الشرع شخصية استراتيجية تقود “هيئة تحرير الشام” بحسابات دقيقة تخدم بقاءها واستمراريتها. ساهمت خبرته السياسية والعسكرية في تمكين الهيئة من السيطرة على الأرض عبر قمع المعارضة المحلية وتغيير سياساتها حسب الحاجة. ومع ذلك، تثير الخطوات الأخيرة، مثل المجازر الطائفية والسياسات المتشددة التي تطبقها الحكومة الجديدة، تساؤلات حول ما إذا كان هذا التوجه يعكس تحولا جهاديًا عميقًا يستغل البنية الهشة في سوريا لتحقيق أهداف طويلة الأجل.

أسباب نجاح هيئة تحرير الشام مقارنة بغيرها

النجاح النسبي لـ “هيئة تحرير الشام” في فرض سيطرتها يرتبط جزئيًا بتخليها عن الأسلوب القمعي المباشر الذي تبنته تنظيمات أخرى مثل تنظيم القاعدة أو داعش. بدلاً من ذلك، ركزت الهيئة على إشراك المجتمع المحلي في إدارة الشؤون غير الاستراتيجية مع الحفاظ على نفوذها العسكري والأمني. سمح لها هذا النموذج المختلط بتجنب استنزاف مواردها والتخفيف من معارضة السكان المحليين. ورغم ذلك، لا تزال الشكوك قائمة حول قدرتها الحقيقية على تحقيق الاستقرار طويل الأمد بعيدًا عن النزعات الطائفية والإقصائية التي تتبعها.

التحديات المستقبلية أمام حكومة الإنقاذ

رغم عدد من النجاحات الظاهرية لـ “حكومة الإنقاذ السورية”، تواجه تحديات حقيقية داخليًا وخارجيًا. استمرار الضغط الدولي من أجل نظام أكثر ديمقراطية وتساهلًا، إلى جانب تمرد العناصر المتشددة داخل الهيئة، يمثل تهديدًا لعملية الحوكمة. خلاصة ذلك أن نموذج الحكم الحالي ما زال يعتمد بشكل كبير على التوازن بين استرضاء الأطراف المختلفة في الداخل والخارج، مع التضحية بمبادئ العدالة والمساواة. ومن المرجح أن تستمر الهيئة في تبني تكتيكات توازن بين ممارسة السلطة القمعية وإبراز صورة أكثر اعتدالاً على المستوى الدولي.