«حقائق صادمة» الحرب هل تكشف طبيعتنا الإنسانية أم تغيرها جذريًا

تُعَد آثار الحرب النفسية محورًا هامًا في فهم تداعيات العنف على الإنسان، حيث تتجاوز هذه الآثار حدود الجسد لتطال البنية النفسية والأخلاقية للناجين، وتتجلى هذه التأثيرات بشكل عميق ومستمر، ويمثل استيعاب هذه الآثار والتعامل معها خطوة بالغة الأهمية في بناء مجتمعات أقوى وأكثر إنسانية.

آثار الحرب على التركيبة النفسية

الحرب ليست مجرد مواجهات عنيفة، لكنها بيئة تُفرض فيها ضغوط هائلة تعيد تشكيل طبيعة الإنسان، إذ تُحدث تغيرات عميقة في الشخصية نتيجة الصدمات المتكررة، وتتداخل اضطرابات مثل اضطراب ما بعد الصدمة مع فقدان الهوية الاجتماعية والشعور بالتهميش، وتصبح المحنة الأخلاقية واقعًا يوميًا. عند فقد الإنسان موارد الحياة الأساسية مثل الأمن والعلاقات الداعمة، تتضاعف المعاناة، لتضيف فجوة عاطفية يصعب ملؤها.

اضطراب ما بعد الصدمة وتأثيره

أحد أبرز الاضطرابات النفسية الناشئة عن الحروب هو اضطراب ما بعد الصدمة، الذي يُظهر تأثيرًا مركبًا يمتد إلى اضطرابات في صنع الهوية الذاتية وضعف العلاقات الاجتماعية والشعور بعدم السيطرة، وتشير الدراسات النفسية، ومنها دراسة بيتانكورت وزملائه 2013 حول أطفال الجنود في سيراليون، إلى أن الدعم الاجتماعي ونشاط البيئة المحيطة يلعبان دورًا إيجابيًا في تخفيف هذه الصدمات، ما يعكس الحاجة إلى استراتيجيات تعافٍ تدعم إعادة إدماج الناجين في مجتمعاتهم.

الحرب والتغيرات في الدماغ

الحرب تؤدي إلى تغييرات فسيولوجية في الدماغ، حيث تحتفظ اللوزة الدماغية بنشاط مفرط، ما يُبقي الناجين في حالة تأهب دائم مشحونة بالخوف والقلق، بينما يتراجع نشاط القشرة أمامية الدماغ المسؤولة عن الانضباط العاطفي، هذا الخلل يجعل الشخص أكثر عرضة للاندفاع أو الانسحاب الاجتماعي حتى بعد انتهاء الصراع، وفقًا لدراسات متعددة في علم الأعصاب، ومنها دراسة Etkin وWager 2007، فإن هذا التغير العصبي يعيد صياغة إدراك الإنسان للعالم من حوله.

دور الدعم الاجتماعي في التعافي

اكتشفت الدراسات أن التعافي من آثار الحروب يتطلب أكثر من الأدوية أو العلاجات السريرية، حيث يُعتبر الدعم الاجتماعي عاملًا محوريًا، فالعودة إلى التعليم أو العمل وإعادة بناء العلاقات الإيجابية تعزز فرص الشفاء، كشفت دراسة ميلر وراسموسن عن أهمية تقليل الضغوط اليومية مثل الفقر لضمان بيئة تعزز التعافي.

العنصر المؤثر الأثر النفسي
الدعم الأسري والاجتماعي تخفيف الصدمات النفسية
إعادة الدمج المجتمعي تعزيز الشعور بالانتماء
توفير الموارد الأساسية زيادة الشعور بالأمان والاستقرار

الأثر العاطفي والأخلاقي للحرب

يتخطى الأثر النفسي للحروب حدود الصدمة المباشرة إلى ما يسمى بـ “المحنة الأخلاقية”، إذ يشعر الناجون بعجزهم عن تبرير أفعالهم أو الأفعال التي شهدوها خلال الصراعات، ووفق دراسة ليتز عام 2009 حول الجنود الأمريكيين المتقاعدين، تبيّن أن الشعور بالذنب الناتج عن تصرفات متناقضة مع القيم الأخلاقية يؤدي إلى ضغوط نفسية عميقة يكون من الصعب التغلب عليها بدون معالجة معنوية.

التعافي: مهمة عاطفية ومجتمعية

عملية التعافي من آثار الحرب تحتاج إلى مظلة شاملة تقدم رعاية نفسية متقدمة مثل العلاج السلوكي المعرفي وتقنيات إعادة المعالجة بحركة العين، إلى جانب مبادرات المجتمع الموجهة نحو إعادة بناء الأمن النفسي والاجتماعي، يؤدي تطوير برامج تسهم في تهيئة بيئة داعمة إلى تعزيز الشعور بالكرامة والأمل، وهذا ما يفتح الطريق أمام الناجين لإعادة كتابة سردياتهم الشخصية ومصارحة العالم بما مروا به.